Page 15 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 15
13 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
قد يكون هذا الجدل الذي ظهر في صورة نقد لم ينجزا ما اتفقا عليه ،فأنجزها بمفرده ،وما إن
عنيف -كما نظن الآن -من الشيخ لتلاميذه ش َّب الخلاف بينهما في الجامعة ،وا ّتسعت ِش َّقة
النّفور ،بعدما كانا صديق ْين ،حتى قال عنه« :كان
وأساتذته وأصدقائه ،جز ًءا من سياق ثقافي أوسع يريد أن يغيّر الدنيا من حوله ،وليس تغ ُّير الدنيا
وأشمل ،وسم العصر كله بروح النقاش ،قوامه
ال ّزخم الفكري بسبب التباين في التيارات النقدية ُمي َّس ًرا للجميع».
والمذاهب ،وهو ما كان ح ِر ًّيا بخلق اشتباكات وموقف الدكتور طه حسين من الرائدة النسائيّة
« ُدر ّية شفيق» ،الذي لا يغيب عن الذاكرة ،يكشف
نقدية َأ ْثرت ال َّساحة الثقافيّة؛ فكر ًّيا (باظهار تعدد لنا المغالاة في ال ُعنف ،دون إبداء أسباب منطقيّة،
التيارات والمذاهب) ،وأدبيًّا (باختلاف الكتابات
فبعد أن تش ّكلت لجنة الدستور عام 1954
وتعددها) ،وأي ًضا سجاليًّا (بخلق حوار بناء بين برئاسة علي ماهر ،قامت السيدة درية شفيق
الأدباء ،في صورة معارك أدبية ،حتى ولو أخذت ومعها تسع سيدات أخر بالاعتصام في مبني
نقابة الصحفيين ،وأثار ذلك كثي ًرا من المنتصرين
شك ًل من أشكال العنف). ج ًّدا لثورة يوليو ،وعلى رأسهم الدكتور طه
أ -الشيخ عثمان المهدي حسين ،فكتب مقا ًل شديد اللهجة يوم 16مارس
في جريدة الجمهورية تحت عنوان «العابثات»،
قبل أن نتطرق لصور ال ُعنف التي مارسها طه راف ًضا رأي المرأةُ ،متذ ِّر ًعا بأن «البلاد لا تحتمل
حسين على عديد من الشخصيات التي عاصرها، في هذا المنعطف التاريخي أي قلاقل أو خزعبلات
يجب أن نشير إلى -كتأكيد للفكرة التي نناقشها- من هذا النوع» .وعندما اعترض اثنان من كبار
الصحفيين على هذا الوصف ،قام بنشر مقالة
أن عنفه كان متأ ِّص ًل في شخصيته ،فمارسه ثانية بعنوان «العابثات »2كتأكي ٍد على موقفه.
على ك ِّل شيء لا يروق لذائقته أو لا يتواكب مع
الغريب أن طه حسين كتب مقا ًل مبك ًرا ،في
منهجه النقدي ،ففي كتاب «تجديد ذكرى أبي مجلة «الهداية» عام ،1911عارض فيه الشيخ
العلاء المعري» 1914انتق َد طه حسين مناهج عبد العزيز جاويش -أستاذه الذي ح ّرضه على
التعليم نق ًدا عني ًفا ،ووصفها بأ ّنها تفتقر لأدنى ح ّد السفر إلى أوروبا -ساوى فيه بين المرأة والرجل،
لتعليم الطلاب الذوق والنقد ،فما إن ا ّضطلع على ودافع فيه عن ح ّق المرأة في الحرية ،والتعبير عن
مناهج الدرس في الجامعة مع قدوم المستشرقين رأيها وغيرها من حقوق ،جاء فيه« :لا فرق بين
الذين استقدموا للتدريس في الجامعة ،حتى شعر الرجل والمرأة في الحرية ،وكلاهما مأمور بمكارم
بأن ث ّمة عقبا ٍت كثير ًة كانت في طريق تعلّمه بهذه الأخلاق ،منهي عن مساوئها ،محظور عليه أن
الطريقة التقليد ّية التي كان أستاذه «سيد بن علي يتعرض لمظان ال ُّش ْبه ،فالمرأة لا تخلو بأجنبي،
المرصفي» يقوم بها .وفي هجومه على مناهج ولا تسافر وحدها ،ولا تتبرج ،ولها بعد ذلك أن
التدريس القديمة َحمل على الأزهر الشريف ودار تفعل ما تشاء من غير إثم ولا لغو ،لها أن تطرح
العلوم ،واعتبرهما لا يصلحان لتدريس الأدب، النقاب ،وترفع الحجاب ،وتتمتع بلذات الحياة
فيقول بينما «كانت المدارس محتفظة بأسلوبها كما يتمتع الرجل ،وليس عليها إلا أن تقوم بما
العقيم؛ كان الأزهر الشريف كل ًفا بهذا الأسلوب أخذت عليه من الواجب لنفسها ،وزوجها والنوع
العقيم نفسه ،ت ّوا ًقا إليه مشغو ًفا به أش ّد الشغف». الإنساني كافة»( .أنور الجندي :صفحات مجهولة
(في الأدب الجاهلي :ص )5ومن ث ّم خلص إلى من حياة طه حسين ،)1916 -1908( .مجلة
أن طريقة الدرس الأدبي في مصر»غير قيّمة ولا
الهلال ،ع ،2فبراير ،1966ص)85
مجدية» (تجديد ذكرى أبي العلاء :ص ،و)
عاد طه حسين لنقده العنيف لمناهج تدريس الأدب ***
في مصر خاصة في المدارس والأزهر ودار العلوم،
في كتابه «في الأدب الجاهلي» ،1927فأوقف
الكتاب الأول المعنون بـ»الأدب وتاريخه» لتناول
درس الأدب في مصر ،حام ًل على المناهج القديمة