Page 12 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 12
العـدد 30 10
يونيو ٢٠٢1
منه إلى التاريخ ،وعلى كل حال فتقرير هذا الكتاب الذي بدت عليه آراء الدكتور طه حسين؟ وبمعنى
غير سديد ،وليس في مستوى التلاميذ وحتى أوضح :هل أسهم تكوين طه حسين الاجتماعي
والفكري في أن تتسم أحكامه بالغلظة والقسوة،
بعض المدرسين»( .محمد الدسوقي :طه حسين
يتحدث عن أعلام عصره ،ص )57الغريب أنه وعدم التهاون في الخطأ؟ المعروف عن طه حسين
أ ّنه كان قاسيًّا -حتى -على نفسه ،ومن ث ّم لم
عاد ووصف كتابه عن «الله» بأنه «كتاب جاف»، يتوا َن في قسوته على الآخرين .إذا ا ّتبعنا منهج
وبالمثل وصف كتاب مندور «النقد المنهجي عند
العرب» بأنه «تافه» ،وغيرها من انتقادات عنيفة، التحليل النفسي الذي اتبعه العقاد في قراءة نفسية
ابن الرومي وأبي نواس ،لتأ ّكد لنا أ ّن نشأة طه
ستأتي في سياقها ،مع شرح ملابساتها. حسين الاجتماعيّة وتكوينه الفكر ّي ،أسهما -إلى
على ما يبدو لي أنه كان لانتباهه ُ -مب ّك ًرا -لأثر ح ٍّد بعيد -في أحكامه وآرائه .فما تجرعه من
عاهته على المُحيطين به من أفراد عائلته ،أثرها في معاناة في طفولته -كما وصف في الجزء الأول
إلزام نفسه بما لا تطيق فيقول« :من ذلك الوقت
من سيرته «الأيام» -كان بمثابة العامل الأساسي
تقيّدت حركاته بشيء من الرزانة والإشفاق -وليس الوحيد -فيما ُطبعت عليه نفسه فيما
والحياء لا ح ّد له ،ومن ذلك الوقت ح ّرم على بعد ،وبالمثل ما عاناه في دراسته من شيوخه
نفسه ألوا ًنا من الطعام لم تبح له إ ّل بعد أن جاوز
الخامسة والعشرين ،ح ّرم على نفسه الحساء بسبب عاهته ،كان له بالغ الأثر في ما ُجبلت عليه
والأرز وكل الألوان التي تؤكل بالملاعق ،لأنه كان شخصيته.
يعرف أنه لا ُيحسن اصطناع الملعقة ،وكان يكره
أن يضحك إخوته ،أو تبكي أمه ،أو يعلّمه أبوه في في كتاب «تجديد ذكرى أبي العلاء» وهو الدراسة
هدوء حزين ..كان يستحي أن يشرب على المائدة التي حصل بها على درجة الدكتوراه ،في الآداب
مخافة أن يضطرب القدح من يده ،أو لا ُيحسن من الجامعة الأهلية عام ،1914وهي أول دراسة
تناوله حين ُيقدم إليه .فكان هناك شرب من مائها علمية تمنحها الجامعة لطالب وقتها .قبل أن
ما شاء الله أن يشرب ،ولم يكن هذا الماء نقيًّا يشرع في دراسة أدب أبي العلاء درس ظروف
دائ ًما ،ولم يكن هذا النوع من ري الظمأ ملائ ًما
لل ّصحة .فانتهى به الأمر إلى أن أصبح محمو ًدا عصره وشخصيته ،وهو ما جعله ُيب ِّرر الكثير من
الصفات التي وسم بها المعري ،وأبرزها الاعتزال،
وقد ر ّده إلى المصائب التي حلّت به على المستوى
الشخصي ،وأي ًضا ال ّصراعات ال ّسياسيّة التي رأى
أن ينأى بنفسه عنها.
وعلى عكس أبي العلاء صار صاحبه -أقصد
طه حسين -فقد عركته الحياة وعركها ،وأدخل
نفسه في أتونها ،كان يهوى المعارك وفي بعضها
ُيدفع إليها دف ًعا ،إلا أ ّنه لم يجزع أو يهرب ،بل
ُيقدم عليها إقدا َم الشجاع ،ولا يفوته أن يس َّن
سيوفه على ك ِّل أعدائه ،فبكل بساطة وصف
«عبقرية عمر» للعقاد بأ ّنها غامضة لم يفهم
منها شيئًا ،لأن هجومه وقتها شفى غليله من
صديقه اللدود وغريمه في النزال والمعارك،
ث ّم ما فتئ أن عاد واعتذر له بأن الخطأ عنده
وليس في كتاب العقاد ،حيث كما ذكر «هو
ليس عيبًا في الكتاب ،وإنما هو عيب لي أنا ،فقد
عجزت عن فهم كتاب هو أقرب إلى الفلسفة