Page 14 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 14

‫العـدد ‪30‬‬   ‫‪12‬‬

                                                    ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

      ‫النفس فتحامل على َمن لا يستحق التحامل‪،‬‬              ‫رفضه لفكرة الغموض يجعله ينزع القداسة‬
       ‫وتغاضى عن أخطاء َمن يستحق التعنيف؟‬             ‫عن الأدب النخبوي‪ ،‬ويميل إلى الأدب الشعبوي‪،‬‬
  ‫الجواب على هذا السؤال‪ ،‬يتضح من خلال تتبّع‬
  ‫نقود طه حسين لشخصيات اقترب منها‪ ،‬بحكم‬                 ‫فيقول‪« :‬ومنهم من يقول إ ّن الناس جمي ًعا في‬
  ‫التلمذة أو الأستاذية‪ ،‬أو بحكم الصداقة‪ .‬خاصة‬       ‫حاج ٍة إلى أن يقرأوا ويفهموا ويذوقوا ويستمتعوا‬
‫أننا نرى آرا ًء للعميد في بعض الشخصيات كأحمد‬
     ‫ضيف وغنيمي هلال‪ ،‬ومحمد مندور‪ ،‬تخرج‬                 ‫بالجمال الأدب ّي‪ ،‬فيجب أن يكون الأدب قريب‬
   ‫عن سياق النقد العلمي إلى التجريح الشخصي‪،‬‬              ‫التّناول يستطيع كل إنسان أن يذوقه ويمتّع‬
     ‫فضيف ‪-‬عنده‪ -‬عالة على الآخرين‪ ،‬لم يكتب‬               ‫به‪ ..‬فينبغي أن يكون الأدب شعبيًّا يفهمه ذو‬
‫رسالته بنفسه‪ ،‬وإنما كتبها له أحد الأساتذة الذين‬     ‫الثقافة الممتازة وذو الثقافة المت ّوسطة وذو الثقافة‬
   ‫يكتبون ال ّرسائل لل ُّطلاب الأجانب‪ ،‬وأن مؤلفات‬   ‫الضئيلة‪ ،‬ولا ينسون إلا شيئًا واح ًدا هو أ ّن الأدب‬
‫محمد غنيمي هلال «ليست كما يرى بعض أعضاء‬              ‫ف ٌّن رفي ٌع‪ .‬والفن الرفيع لا ينزل‪ ،‬وإ ّنما يرقى إليه‬
     ‫مجلس كلية دار العلوم‪ ،‬حيث انقسمت الآراء‬
    ‫بينه وبين الدكتور بدوي طبانة حول رئاسته‬                  ‫ط ّلبه ومحبّوه»‪( .‬خصام ونقد‪ ،‬ص‪)38‬‬
 ‫لقسم النقد‪ ،‬مأخوذة ‪-‬حسب قوله‪ -‬من مؤلفات‬                  ‫وقد مال طه حسين في نقده إلى مذهب ألزم‬
 ‫فرنسية للمدارس الثانوية‪ ،‬فليست ابتكارات كما‬               ‫به نفسه «سواء أرضي الناس أم سخطوا‪،‬‬
   ‫أنها ليست في الأدب المقارن بالمعنى الصحيح»‪.‬‬         ‫وسواء أوافق رأيه هوى الق ّراء أم خالف» هكذا‬
   ‫(محمد الدسوقي‪ :‬أيام مع طه حسين‪ ،‬ص‪،43‬‬                 ‫صاغ لنفسه نه ًجا نقد ًّيا ‪-‬التزم به‪ -‬أعلن عنه‬
                                                         ‫في مقدمته لكتاب صديقه أحمد أمين «ضحى‬
                                           ‫‪)44‬‬        ‫الإسلام»‪ ،‬فقال‪« :‬وعلى هذا النحو من الاستعداد‬
     ‫وبالمثل ما فعله مع صديقه أحمد أمين‪ ،‬الذي‬         ‫عمدت دائ ًما إلى النقد‪ ،‬واجتهدت ما استطعت ألا‬
   ‫استدعاه للعمل في الجامعة من مدرسة القضاء‬           ‫أظلم الصديق لصداقته‪ ،‬ولا الخصم لخصومته‪،‬‬
    ‫الشرعي‪ ،‬وشاركه فكرة تأليف موسوعته عن‬                ‫وليس الظلم مقصو ًرا على أن تغض من العمل‬
  ‫الحياة العقلية والفكرية والأدبية في الإسلام‪ ،‬إلا‬  ‫الأدبي أو العلمي‪ ،‬أو تنقص من قيمته لأن صاحبه‬
    ‫أن طه حسين مع صديقه عبد الحميد العبادي‬          ‫صديق لك‪ ،‬أو حرب عليك‪ ،‬بل هناك ظلم أقبح من‬
                                                    ‫هذا وأشنع‪ ،‬هو أن تثني على من لا يستحق الثناء‪،‬‬
                                                     ‫أو تغلو في حمد َمن لا يستحق الحمد إلا بمقدار‪،‬‬
                                                        ‫وأن تحمد الخصم لأنه خصم‪ ،‬ولأنك تكره أن‬
                                                         ‫يقول الناس فيك خاصمه فعجز عن انصافه‬

                                                                                     ‫وتحامل عليه»‪.‬‬
                                                                                   ‫(ضحى الإسلام‪،‬‬

                                                                                             ‫ص‪)5‬‬
                                                                                    ‫لكن هل يا ُترى‬

                                                                                      ‫‪-‬فع ًل‪ -‬التزم‬
                                                                                     ‫طه حسين بما‬
                                                                                      ‫ألزم به نفسه‬
                                                                                    ‫من منهج نقدي‬
                                                                                      ‫صارم‪ ،‬قوامه‬
                                                                                    ‫ال ِحيدة والنزاهة‬
                                                                                      ‫وتج ُّنب تغليب‬
                                                                                   ‫الهوى والعاطفة‪،‬‬
                                                                                       ‫أم غلبه هوى‬
   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19