Page 16 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 16

‫العـدد ‪30‬‬   ‫‪14‬‬

                                                              ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

‫هكذا‪« :‬هذا قسطك اليوم‪ ،‬ولعله يكفيك‪ .‬على أننا‬                      ‫وتأثيرها ال ّسلبي على ال ُّطلاب‪ ،‬شار ًعا في ذكر‬
                                                                ‫المع ّوقات وطرائق الإصلاح‪ ،‬وإن كان في حديثه‬
‫نبيح لك المناقشة إن قبلت الصحف سخفك»‪.‬‬                             ‫أبدى هجو ًما عني ًفا على المناهج التي ُتد َّرس في‬
                                                                ‫المدارس والأزهر ودار العلوم‪ ،‬ورأى أن المناهج‬
‫(محمد سيد كيلاني‪ :‬طه حسين الشاعر الكاتب‪،‬‬
                                                                   ‫فيها صارت إلى طريق مسدود لا ُيرجى منه‬
                     ‫ص‪)96 ،95‬‬                                    ‫الإصلاح خي ًرا «فقد أغلقت أبواب هذه المدارس‬
                                                               ‫ونوافذها إغلا ًقا محك ًما‪ ،‬فحيل بينها وبين الهواء‬
‫ب‪ -‬الشيخ محمد المهدي (‪)1924 -1868‬‬                             ‫الطلق‪ ،‬وحيل بينها وبين الضوء الذي يبعث القوة‬
                                                                 ‫والحركة والحياة!»‪( .‬في الأدب الجاهلي‪ ،‬ص‪)4‬‬
‫وبالمثل لم يتوا َن العميد عن ال ّسخرية من أستاذه‬                ‫هذا بالنسبة لنقد طه حسين المُعنِّف‪ ،‬لكل ما هو‬
‫محمد المهدي‪ ،‬وهو من أب ألباني‪ ،‬وأم كوردية‪،‬‬                       ‫ُمخالِف لما يأمل أن يكون عليه نظام التعليم في‬

‫والذي كان يد ِّر ُس له في الجامعة الأهليّة آنذاك‪،‬‬                  ‫المدارس والجامعة‪ ،‬أما بالنسبة للشخصيات‪،‬‬
‫وقرأ عليه طه حسين كتاب «شرح نهج البلاغة»‬                      ‫فمارس طه حسين ُعنفه النقدي ُمب ّك ًرا ج ًّدا؛ وذلك‬

‫لابن أبي الحديد‪ ،‬وقد وصفه ذات مرة طه حسين‬                         ‫في عام ‪ ،1909‬حيث نشر في هذا الوقت مقالة‬
‫هكذا‪« :‬كان أستا ًذا في القضاء الشرعي‪ ،‬وكان‬                    ‫ُيخ ّطئ فيها الشيخ عثمان المهدي الذي شبه الرياء‬

‫ُيد ِّرس لنا الأدب في الجامعة‪ ،‬لكنه ليس على‬                                  ‫بالإنسان في قول علي بن التهامي‪:‬‬
‫مستوى أستاذ الجامعة»‪ ،‬الغريب أن نفس الرأي‬                                          ‫ثو ُب الرياء يش ُّف ع ّما تحته‬
                                                                                     ‫فإذا التحف َت به فإنك عا ٍر‬
‫لصقه بزكي مبارك فيما بعد‪.‬‬
                                                              ‫فيقول طه حسين تعقيبًا على ما ذكره الشيخ‪« :‬إن‬
‫تع ّرض العميد للشيخ محمد المهدي في موقف ْين؛‬                     ‫الشيخ عثمان اعتمد على صور مثّلها له الوهم‪،‬‬
‫الأول‪ ،‬عندما سمع له در ًسا في شعر أبي العلاء‪،‬‬                     ‫تار ًكا الذوق العربي جانبًا كأ ّن البيان ليس إلا‬
  ‫وحدث خلا ٌف بينهما حول رأي أبي العلاء في‬                        ‫مجا ًزا واستعارة وتشبي ًها وتمثي ًل»‪ ،‬واستمر‬
                                                                  ‫طه في تعنيفه للشيخ قائ ًل‪« :‬لو عرف التهامي‬
‫البعث‪ ،‬فزعم طه حسين شيئًا‪ ،‬إلا أ ّن الشيخ‬                          ‫أن تطبيق بيت من الشعر على البيان سيوقع‬

‫أنكره‪ ،‬وطالبه بالدليل‪ ،‬ومع الأسف لم يحضر‬                       ‫جملة من أساتذة المعارف في خطأ مخجل لتن ّكبه‬
                                                              ‫جانبًا‪ ،‬أو لأوضح سبيله في التشبيه أو الاستعارة‬
‫الدليل ‪-‬أثناء الدرس‪ -‬لطه حسين‪ ،‬فظهر بمظهر‬                     ‫فأتاهم بالأداة ووجه الشبه‪ .‬بل لو عرف أساطين‬
                                                              ‫البلاغة كالجاحظ وأبي هلال وعبد القاهر أن قو ًما‬
‫المنهزم‪ ،‬وهو ما س ّر الشيخ‪ ،‬لكن طه حسين أثناء‬                  ‫سيتناولون البيان بمثل هذا التخليط لطووا دونه‬
‫كتابته لرسالته عن أبي العلاء‪ ،‬عاد إلى الرأي‬                    ‫كش ًحا‪ ،‬وضربوا عنه صف ًحا‪ ،‬ولتبرأ الجاحظ من‬

‫واستحضر الدليل‪ ،‬حتى أنه كما يقول «ذكر ُت‬                        ‫بيانه وتبيينه‪ ،‬ولع ّق أبو هلال صناعته‪ ،‬ولجحد‬
‫ما كان بيني وبينه من خلاف‪ ،‬وذكرت ذلك في‬                                            ‫عبد القاهر أسرار بلاغته»‪.‬‬

‫لفظ لا يخلو من الفخر القاسي‪ ،‬ث ّم انتصر ُت عليه‬                 ‫لم يكتف طه حسين بهذا التوبيخ وذاك التأنيب‪،‬‬
‫ولم أنتصر في رفق»‪ ،‬وهو الأمر الذي لم يم ّرره‬                         ‫بل تمادى في تعنيفه‪ ،‬بأن شرع في مطالبة‬
‫الشيخ؛ إذ كان عض ًوا في لجنة امتحان الدكتوراه‪،‬‬
‫وصار بينهما جدال عنيف‪ ،‬وهو ما حدا بالشيخ‬                       ‫الشيخ بأن «يبيّن كيف يمكن أن يكون الالتحاف‬
                                                                  ‫بالإنسان‪ ،‬ومتى كان العهد به في نظم العرب‬
‫أحسن الألقاب (فائق)‬  ‫إكلىماأأنو ُيعصا ِرت اللّضجفنية‪،‬منوحمهع‬
 ‫إصراره انصاعت له‬                                             ‫ونثرهم»‪ ،‬ووصل الأمر به إلى اتهام الشيخ عثمان‬
                                                                 ‫ومن نهج نهجه «بأنهم قوم لم يعرفوا مذاهب‬
‫ومنح طه حسين الدرجة بتقدير «جيد ج ًّدا»‪ ،‬ومع‬
‫هذا فلم يمنعه هذا الموقف من الإشادة بتلميذه‬                    ‫الشعر‪ ،‬ولم يدفعوا إلى مضايقه»‪ ،‬ث ّم ختم مقالته‬

                     ‫العنيد‪.‬‬

‫الموقف الثاني‪ ،‬حدث بعد عودة طه حسين من‬

‫البعثة عام ‪ ،1915‬بسبب الأزمة المالية‪ ،‬كت َب عن‬
‫الشيخ المهدي وطريقة تدريسه في الجامعة مقا ًل‬

‫لاذ ًعا في جريدة ال ُّسفور؛ إ ْذ اضطر كار ًها لأن‬
‫يحضر محاضرة له في الجامعة عن تاريخ الأدب‬

‫الأندلسي‪ .‬فما إن استمع له حتى سخر من‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21