Page 20 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 20
العـدد 30 18
يونيو ٢٠٢1
من الأ ّيام زار الدكتور طه حسين مدرسة ،حينما من الشيخ طنطاوي جوهر ،أوجزه في شقاوة
كان مستشا ًرا فنيًّا بوزارة الثقافة ،ودخل أحد طه حسين؛ إ ْذ رأى أن طه حسين كان يميل إلى
الفصول ،وكانت المفاجأة أن الأستاذ هو عباس
الشقاوة منذ صغره ،وما فعله مع الرجل لم
حسنُ ،يملي وقتها على الطلاب قصيدة أبي ُنواس، يخرج من طور الشقاوة التي لازمته حتى في
فدار جدال بينهما على مطلع القصيدة ،وانتهى شبابه وهو في الجامعة .وقد لازمته أكثر من
نصف حياته ،وإن كان قد حاول في سنواته
الحال إلى ا ّتهام طه حسين له بالمكابرة والإصرار الأخيرة أن يخفيها ويخ ّفف منها إلى ح ٍّد كبير.
على الخطأ وليس الأمر كما قال. فهو يعتقد أن «المجتمع المصري ،العرب ّي كله،
مرت ال ُّسنون ،وانتقل عباس حسن من المدارس هو مجتمع راكد ،نائم على روحه ،وأن هذا
إلى كلية دار العلوم ،ث ّم صار عض ًوا في مجمع المجتمع يحتاج إلى َمن يهزه ويوقظه ،ولو كان
ذلك بأساليب عنيفة من التحدي والاستفزاز..
اللُّغة العربيّة ،وحدث جدال آخر ،يرويه هذه المرة والشقاوة»( .رجاء النقاش :عباقرة ومجانين،
الدكتور جلال أمين في سيرته »-مكتوب على
ص)270
الجبين :حكايات على هامش السيرة» (دار الكرمة، في الحقيقة أخالف النّقاش في هذا التفسير،
-)2015حيث كان خبي ًرا ُمكلّ ًفا من مجمع اللُّغة والسبب عندي أن العنف راجع إلى التكوين
العربيّة بإعداد مصطلحات اقتصاد ّية؛ إ ْذ استعان الاجتماعي الذي نشأ عليه طه حسين ،وكذلك
به الدكتور عبد الحكيم الرفاعى عضو المجمع التكوين الفكري ،فكلاهما «البيئة /مجتمع أهل
(وهو أستاذ اقتصاد في كلية الحقوق ،عين عام بيته» وأساتذته منذ الكتّاب وصو ًل إلى الأزهر
1955محاف ًظا للبنك المركزي ،لكن في عام ،1964 والجامعة ،مارس أفراده عليه عن ًفا لاذ ًعا ،ر ّسب
فرضت الدولة إجراءات معينة ،إ ّل أ ّنه كتب تقري ًرا في نفسه مرارة لم يتخلّص منها طيلة حياته ،ومن
ض ّدها ،ورفضها ،وعاد إلى منزله ،وفي الصباح ثم واجه عنفهم بعنف أش ّد وأقسي .وكأنه ُوضع
فوجئ بأن الرئيس عيّن محاف ًظا جدي ًدا للبنك دائ ًما في خانة المدافع عن ذلك الذي وصف من
المركزي). قبل بأنه «وقح» على نحو ما وصفه أحد الأساتذة،
وكما يقول الدكتور أمين إنه «طلب منى أن
أختار مجموعة من المصطلحات الإنجليزية ،فى بعد مناقشته له ،فقال وهو ينهي الدرس
موضوعات اقتصادية حديثة نسبيًّا ،وأن أقوم «انصرفوا فلن أستطيع أن أقرأ وفيكم هذا الوقح»
باختيار مقابل عربى ملائم لها ث ّم أقوم بتعريفها،
وأن أعرض ذلك فى جلسة من جلسات المجمع، وكان يشير بكلمة «الوقح» إلى طه حسين ،أو
على أن تقتصر فترة وجودي فى المجمع على هذا الخاسر في غضبة أحدهم «اسكت يا خاسر،
فترة عرض المصطلحات الاقتصادية ومناقشتها اسكت يا خنزير» أو المجنون «والله لا نقوم حتى
وإقرارها ،ث ّم أنصرف بعد ذلك مباشرة ليبقى فى يقتنع هذا المجنون» وأشدها نكاية وأذى وصفه
الجلسة أعضاء المجمع دون إزعاج ممن يسمون
مجرد «خبراء» مثلى. بـ «اسكت يا أعمي».
يستكمل الدكتور جلال أمين روايته للواقعة ث -عباس حسن ()1979 -1901
فيقول :شاهد ُت طه حسين وهو يدخل القاعة واحدة من صور العلاقة الإشكاليّة التي تبرز
هذه الأبو ّية التي كان ُيمارسها طه حسين مع
بصحبة سكرتيره ،فإذا بالقاعة التى كان يسودها الآخرين ،علاقته بعباس حسن صاحب كتاب
الضجيج والأحاديث الجانبيّة بين الأعضاء، «النحو الوافي» .تبدو العلاقة أقدم من عضوية
عباس حسن في المجمع اللغوي ،الذي كان يرأسه
الواقف منهم والجالس ،يح ّل بها صمت كامل طه حسين ،فعباس حسن بعد أن تخر ّج في كلية
بدخول هذا الرجل الضرير ،ولكن يشع منه بريق دار العلوم عام 1925عمل ُمعلّ ًما ،وقد قضى
قرابة العشرين عا ًما متنق ًل بين المدارس .وفي يوم
نفسى يخطف الأبصار .أخذنى أحد الحاضرين
من يدي ليقدمني إلى طه حسين لمصافحته ،وذكر