Page 13 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 13
11 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
في هذا العصر الحديث الذي تغيّر فيه الذوق وما استطاع أحد أن يعرف لذلك سببًا»( .الأيام،
الأدبي ،ولا سيما في مصر ،تغي ًرا شدي ًدا» (حديث الجزء الأول ،دار المعارف ،1992ص)27 ،26
الأربعاء ،ص .)7ويعود إلى هذه القضية من جديد
في كتاب «خصام ونقد» ( )1955إذ يلح على البعد قد يبدو لدارس شخصية طه حسين أن جز ًءا من
ال ُعنف الذي ُعرف به يعود إلى ما تح ّمله من بيئته
عن الغرابة ،قائ ًل «وكل ما ُيطلب إلى الأديب ألا والظروف المحيطة به ،وإن كان ثمة جزء -آخر-
يكون أدبه ممعنًا في الغرابة متعم ًدا للغموض ،وألا
يؤ ِّدي في ألفاظ وأساليب لا تعيش في هذه الأيام، اكتسبه بطريق غير مباشر ،أو بمعنى أدق جاء
كردة فعل لما لاقاه من شيوخه وخصومه على
وإنما كانت تعيش في العصور القديمة البعيدة ح ٍّد سواء ،فأثناء دراسته في الأزهر كما يحكي في
العهد .فلا ينبغي لمن يكتب الآن أن يتكلّف مذهب الأيام لاقى أنوا ًعا من التن ُّمر من شيوخه الذين
ابن المقفع ،أو طريق الجاحظ أو أسلوب الحريري
سخروا من عاهته.
والبديع الهمذاني ..فالجمال لا يكون في غرابة وعندما أصدر كتابه الأزمة «في الشعر الجاهلي»
اللفظ وخشونته ،ولا في خفاء المعنى وغموضه، َ ،1926ح َم َل عليه أصدقاؤه وخصومه م ًعا ،حملة
ولا في التواء الأسلوب وتعقده ،وإنما الجمال شعواء ،حتى وصفت ردودهم -كما جاء في
شيء آخر ،يناقض هذه الخصال كل المناقضة مقالة أحمد بيضون «حياة طه حسين الثانية»-
ويخالفها أش ّد الخلاف»( .خصام ونقد ،ص)37 بأنها « َت ْق ُطر س ًّما» ،ومن هؤلاء :شكيب أرسلان
فبسبب غموض العقاد وتع ُّقد كتاباته ،جاء رأيه
شيخ الأدب العربي ،وأديب الشرق الأكبر،
عني ًفا في «عبقرية عمر» ،هكذا قالها صراحة ورشيد رضا ،صاحب المنار ،ونصير الشرعية
«أنا لم أفهمها» ،فعدم الفهم ينطوي على تغريب
وغموض لم يستحبهما العميد وهو الذي يميل العثمانيّة ،ومصطفى صادق الرافعي ومحمد
إلى الوضوح؛ فحسب قوله« :أما نحن فنريد أن الخضر حسين ،شيخ الأزهر لاح ًقا ،ومحمد فريد
يفهمنا الناس ،كما نريد أن نفهم الناس ،ولهذا
وجدي ،صاحب أول موسوعة عربية ،وإبراهيم
نتحدث إلى الناس بلغة الناس ..وإذن فخليق عبد القادر المازني ،حتى إ ّن جاك بيرك يصف
إباذالأدكتي َبب،األذنييف ُي ّكقرِّد ُرفينفهؤسلهاءوايلرنايد أس،نوُيأقنِّد َري ُهك اولننا مسن
ما ذكره الرافعي في مقالته عن طه حسين بأنها
ال ُّسهولة ومراعاة ال َّذوق الأدب ّي بحيث لا يعجز «مقالة تنضح بحقد لا يوصف» .بل هناك اتهامات
الناس عن فهمه( »..حديث الأربعاء ،ج ،3ص،)16
ألصقت به في حياته وبعد مماته ،مثل أنه «كافر
وهو ما َد َف َعه لأن يسخر -كما سنرى -من وملحد ،ومتف ْرنس ،و ُمتأ ْورب منقطع الصلة
الشيخ عثمان المهدي في شرحه لبيت التهامي.
فكما يقول عدي الزعبي -في مقالة «من وصايا بجذوره الوطنيّة» وغيرها من اتهامات -ربما-
العميد :فضيلة الوضوح» -إن موقفه من غموض كان لها بالغ الأثر في انتقاداته العنيفة لخصومه.
ما كتبه العقاد ،لهو امتداد لموقفه الصارم من تتع ّدد أسباب ال ُعنف عند طه حسين ،فيمكن ر ّد
الغموض :الغموض في التعابير ،الغموض في بعضها إلى تر ُّس َبا ٍت التنشئة -كما ذكر ُت عاليًا-
الجمل ،والغموض في المعنى العام .وهو الأمر وفي جزء منها تعود إلى تأثير ما ناله من سخرية
الذي جعل معظم نقده هجو ًما على أشكال وصور وتعنيف -بالغ ْين -في مسيرته الدراسيّة والعلميّة،
الغموض والمبالغات والرطانة الزائدة في الكتابة وفي بعضها -أي ًضا -قد تعود إلى مذهبه النقدي،
على نحو انتقاده لمصطفى صادق الرافعي ،لتأثره
بأسلوب القدماء ،ولعلى محمود طه ومحمود أبو المتمثّل في رفضه للغموض في الكتابة ،فلنتأ ّمل
الوفا ،ورطانة محمود أمين العالم وعبد العظيم إلحاحه على مراعاة اللّفظ للذوق ،ففي مدخل
أنيس في مقالته «يوناني فلا يقرأ». الجزء الثالث من «حديث الأربعاء» نراه يعلّق على
رسالة العتاب التي نشرتها جريدة السياسة هكذا:
«أما أنا فأعتذر للكاتب الأديب إذا أعلنت مضط ًرا
أن هذا الأسلوب الذي ربما را َق أهل القرن
الخامس والسادس للهجرة ،لا يستطيع أن يروق