Page 178 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 178

‫العـدد ‪30‬‬                           ‫‪176‬‬

                              ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬                      ‫كان وص ًفا نبي ًل من أمي‬
                                                             ‫على الرغم من عدم اقتناع‬
 ‫تما ًما‪ ،‬بعيدة مئات الأميال‬     ‫مع ساشا بلغة (الإشارة‬
     ‫عن ساشا‪ ،‬تجلس على‬              ‫اللمسية)* ثم يترجم‬         ‫جدي وجدتي بنظريتها‬
                                                                                 ‫البتة‪.‬‬
   ‫دكة خشبية منخفضة في‬        ‫الكلام لأولجا‪ .‬لكن ما ينقله‬
  ‫صالة مظلمة بشقتها‪ ،‬مع‬       ‫هي المعلومات فقط وليس ما‬          ‫خلال هذا العام فكر ُت‬
   ‫سماعتها القديمة اللزجة‬                                     ‫مليًّا‪ ،‬كيف يبدو أن تحب‬
                                       ‫تحمله من مشاعر‪.‬‬
      ‫تصفر بأذنها كجرس‬            ‫لأندريا عقل نجس وهو‬           ‫شخ ًصا أعمى وأص ًّما؟‬
 ‫إنذار غاضب‪ ،‬كان هذا كله‬         ‫شخص فج‪ ،‬سكير‪ .‬كان‬              ‫بل كيف يبدو الأمر لو‬
                                ‫دائ ًما ما يسخر من أولجا‬       ‫كنت أنت هذا الشخص؟‬
    ‫يجعلها ترغب في الموت‪.‬‬        ‫حينما تطلب منه أن ُيبلغ‬    ‫أغلقت عيني وسددت أذني‬
   ‫قالت أمي تعقيبًا على تلك‬    ‫ساشا كم أحبته وافتقدته‪،‬‬       ‫بيدي وحاولت أن أمشي‪،‬‬
  ‫القصة‪« :‬لقد أوشك الأمر‬         ‫لم يبلغها أب ًدا بأن ساشا‬    ‫بدا الأمر أسهل مما كنت‬
 ‫على النهاية»‪ .‬لكنه لم ينته‪.‬‬     ‫افتقدها أي ًضا‪ ،‬وهو الأمر‬     ‫أتصور لكني وجدت أنه‬
                               ‫الذي يجعل أولجا مرتبكة‪،‬‬         ‫لا محالة من الاصطدام‬
      ‫بعد أسبوعين هاتفت‬          ‫فهي لا تعرف هل أسقط‬        ‫برف الكتب أو بركن طاولة‬
 ‫أولجا أمي مرة أخرى‪ ،‬من‬          ‫أندريا قاص ًدا ألا يخبرها‬  ‫السفرة‪ ،‬وهو ما سيجعلني‬
‫موسكو هذه المرة‪ ،‬صرحت‬             ‫افتقاد ساشا لها‪ ،‬أم أن‬       ‫أصرخ من الألم‪ ،‬فأفتح‬
 ‫بأنها تركت عملها وزوجها‬      ‫ساشا لم يخبره من الأصل‬             ‫عيني ليبدو عالمي آمنًا‬
  ‫وجاءت إلى موسكو لتظل‬
                                    ‫بمحبته لها خج ًل من‬           ‫وطبيعيًّا مرة أخرى‪.‬‬
            ‫مع ساشا أب ًدا‪.‬‬                    ‫حضوره‪.‬‬           ‫لكن ساشا لا يمكنه أن‬
      ‫«ستأتي به أولجا على‬                                   ‫يفتح عينه أو يرفع يده عن‬
      ‫العشاء‪ ..‬سترونه بعد‬             ‫بنهاية المكالمة تطلب‬    ‫أذنه ليسمع ويرى‪ .‬مهما‬
  ‫أسبوعين هنا» قالتها أمي‬       ‫أولجا من أندريا أن يمرر‬       ‫كان خائ ًفا في ظلامه‪ ،‬لقد‬
  ‫بصوت صاخب مرتجف‪.‬‬              ‫سماعة الهاتف إلي ساشا‬         ‫آمنت أن الأعمى والأصم‬
  ‫فصرخ ُت‪« :‬أعمى وأصم‪..‬‬
                                  ‫كي تستطيع أن تنصت‬               ‫يتمتع بنوع نادر من‬
       ‫أعمى وأصم‪ ..‬أعمى‬        ‫لأنفاسه‪ .‬في بعض الأحيان‬                      ‫الشجاعة‪.‬‬
‫وأصم‪ .»..‬بالمصادفة اتصل‬
                                    ‫تغني له أولجا فيقول‬       ‫في الأول من مارس قالت‬
    ‫أبي ليخبرني برغبته في‬       ‫ساشا وعلى الرغم من أنه‬       ‫أولجا لأمي‪« :‬لا أعتقد أني‬
    ‫اصطحابي للتزلج‪ ،‬اتفق‬                                     ‫أستطيع الصمود أكثر من‬
 ‫أن يكون هذا اليوم السابع‬          ‫لا يستطيع أن يسمعها‬
‫من أبريل نفس اليوم المؤكد‬           ‫إلا أنه يشعر بذبذبات‬       ‫ذلك»‪ .‬صعوبة الاتصال‬
 ‫لزيارة أولجا وساشا‪ .‬قل ُت‬    ‫صوتها‪ .‬تحفظ أولجا الكثير‬           ‫بساشا حينما يكونان‬
   ‫لأبي‪« :‬لا‪ ،‬ساشا الأصم‬         ‫من أغاني الحب الشعبية‬
 ‫الأعمى سيكون في زيارتنا‬       ‫الحزينة‪ ،‬تغنيها له بصوت‬       ‫بعيدين هو ما يقتلها ح ًّقا‪.‬‬
 ‫للعشاء وأنا أذهب للتزلج!!‬      ‫صاخب قدر إمكانها‪ ،‬كان‬       ‫ساشا لا يستطيع الاتصال‬
                                 ‫هذا في الغالب أكثر بلاغة‬
          ‫من يفعل هذا؟!»‪.‬‬      ‫من ترجمة أندريا الصماء‪.‬‬        ‫بأولجا في وجود زوجها‪،‬‬
 ‫لا أعرف كيف أصف مدي‬          ‫كل هذا في حالة أن الاتصال‬          ‫وغالبًا هي من تتصل‬
                               ‫عبر الهاتف جيد‪ ،‬في بعض‬            ‫بمساعدة أندريا عادة‪.‬‬
    ‫السعادة والامتنان حين‬           ‫الأحيان كان الاتصال‬
    ‫وصلته تلك الـ(لا)‪ .‬من‬      ‫ينقطع في منتصف الأغنية‪،‬‬         ‫وأندريا هو رفيق غرفة‬
‫أجل هذا فقط سأكون ممتنة‬         ‫لتجد أولجا نفسها وحيدة‬         ‫ساشا‪ ،‬السكير الأعمى‪،‬‬
  ‫لأولجا ما بقي من عمري‪.‬‬                                      ‫ليس أصم بالكلية‪ ،‬يتكلم‬

      ‫أتى يوم الزيارة‪ .‬كان‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183