Page 179 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 179

‫حول العالم ‪1 7 7‬‬

 ‫حتى لو كان ساشا مخي ًفا‬       ‫«أولجا تعرف لغة الإشارة‬           ‫صخب أصوات الدقات‬
‫سأتظاهر بأنه غير ذلك من‬            ‫اللمسية وأفترض أنها‬         ‫العالية هو ما يميز البيت‬
                                   ‫ستبلغه عبر هذه اللغة‬         ‫في هذا اليوم‪ ،‬كانت تلك‬
         ‫أجل خاطر أولجا‪.‬‬          ‫بما نقوله ثم تترجم لنا‬
    ‫ألا تكرهون تلك الدقائق‬                      ‫ردوده»‪.‬‬            ‫الأصوات لأمي وقت‬
  ‫التي لا تنتهي بين انتظار‬                                   ‫كانت تدق قطعة من اللحم‬
  ‫وصول الضيوف ولحظة‬           ‫لكن هذا الأمر لم يكن ليريح‬
 ‫الوصول الحقيقية قارعين‬        ‫جدي‪ ،‬فجل ما يهتم به هو‬          ‫البقري بمدق اللحم‪ .‬كنا‬
                                  ‫قدرته على إثارة إعجاب‬       ‫قد قررنا أن نقدم لساشا‬
              ‫جرس الباب؟‬         ‫الآخرين في أول لقاء‪ .‬لم‬
    ‫للسيدات بعائلتنا شهرة‬        ‫يكن خبي ًرا بالسياسة أو‬           ‫وأولجا أكثرأصناف‬
                                    ‫الثقافة لكنه يصر على‬       ‫احتفالية نعرفها‪ ،‬كسلطة‬
        ‫بالإنجاز قبل الوقت‬       ‫أن يعبر عن آرائه في تلك‬    ‫أوليفر* ولحم على الطريقة‬
   ‫المحدد‪ ،‬لذا كل الإعدادات‬       ‫الموضوعات عبر تعابير‬          ‫الفرنسية‪ .‬يجب أن يدق‬
    ‫كانت قد تمت على أكمل‬       ‫وجهه‪ ،‬يرفع حاجبه الأيمن‬      ‫اللحم بقوة حتى نتمكن من‬
  ‫وجه‪ .‬اللحمة على الطريقة‬           ‫بحزم ويتكلم بصوت‬           ‫إعداده على تلك الطريقة‪،‬‬
   ‫الفرنسية جاهزة بالفرن‬                        ‫جهوري‪.‬‬         ‫كنت أتمني أن أشارك في‬
‫الدافئ‪ ،‬الس َلطات تم خلطها‬          ‫كان هذا ما يبرر قلق‬
   ‫وتزيينها بشرائح الجزر‬           ‫جدي‪ ،‬خشية أن تصل‬              ‫دق اللحم أي ًضا‪ ،‬لكني‬
‫المسلوق‪ ،‬القطع الباردة منها‬    ‫آراؤه لساشا مجردة دون‬          ‫اكتفيت بتقطيع البطاطس‬
    ‫تم ترتيبها بعناية ودقة‬     ‫حركه حاجبه وصوته‪ ،‬فلا‬          ‫والبيض من أجل ال َسلطة‪.‬‬
                                ‫يستطيع أن يترك بساشا‬        ‫كانت جدتي تلمع الفضيات‬
      ‫بحسب تدرج ألوانها‪.‬‬                   ‫الأثر المطلوب‪.‬‬     ‫و ُتكسب كؤوس الكونياك‬
  ‫اغتسلت العائلة وتمشطت‬          ‫أنهى جدي تغو ًطا هاد ًئا‪،‬‬
                                    ‫طوي ًل‪ ،‬تصفح خلاله‬           ‫بري ًقا خا ًّصا‪ .‬تساءلت‪:‬‬
     ‫وظهرت بأفضل ثياب‪،‬‬               ‫القضايا الرئيسية في‬    ‫«أمن الآمن أن يستعمل هذه‬
   ‫وكل ما بقى لنا الآن هو‬         ‫البرافدا* آم ًل أن يكون‬
                                 ‫لنفسه آراء خاصة تمكنه‬        ‫الكؤوس الغالية؟»‪ .‬زفرت‬
                  ‫الانتظار‪.‬‬       ‫من الصمود أمام ساشا‬          ‫أمي‪ ،‬غير أنها ظلت تدق‬
     ‫في تلك الأيام كان لد ّي‬                ‫برأيه المجرد‪.‬‬
‫صفحة على مواقع التواصل‬            ‫والآن جاء دوري في أن‬       ‫اللحم‪ ،‬إلى أن عادت جدتي‬
     ‫الاجتماعي لأملأ بعض‬          ‫أسأل سؤالي‪ ،‬أنا كطفلة‬       ‫وتساءلت‪« :‬هل هو نظيف‬
 ‫الدقائق‪ ،‬ظللت أحدثها مرة‬          ‫كانت لد ّي الرخصة أن‬
 ‫بعد مرة لأقتل تلك الدقائق‬       ‫أسأل ما يخشى الجميع‬             ‫في استخدام الحمام؟»‪،‬‬
‫السخيفة‪ .‬لكن بعد ذلك ماذا‬      ‫سؤاله‪« :‬هل هو مخيف؟!»‪.‬‬       ‫ردت أمي متوسلة‪« :‬توقفي‬
                               ‫ردت جدتي دون كثير من‬
             ‫عليَّ أن افعل؟!‬      ‫الطمأنينة‪« :‬بالطبع لا»‪.‬‬                     ‫أرجو ِك»‪.‬‬
  ‫ظللت أدور في حلقات بين‬        ‫بينما قالت أمي‪« :‬يجب أن‬          ‫دخل جدي قائ ًل‪« :‬هذا‬
‫شباك المطبخ حيث أستطيع‬           ‫تخجلي من نفسك»‪ .‬كنت‬         ‫سؤال مقبول»‪ .‬في كل مرة‬
‫أن ألمح مكان توقف الحافلة‬                                    ‫يستعمل فيها الحمام كانت‬
                              ‫خجلي بالفعل‪ ،‬لقد قررت أنه‬        ‫جدتي توبخه قائلة‪« :‬هل‬
    ‫التي ت ِقل أولجا وساشا‬                                   ‫أنت أعمى؟!»‪ .‬والآن يأتينا‬
  ‫وبين الباب الأمامي حيث‬
                                                                   ‫ضيف أعمى بالفعل!‬
     ‫أستطيع لو أصغيت أن‬                                      ‫لكن مسألة الحمام لم تكن‬
 ‫أسمع صوت المصعد وقت‬
                                                                  ‫هي المسألة الأساسية‬
                  ‫صعوده‪.‬‬                                     ‫التي تشغل بال جدي‪ ،‬إنما‬
‫كانت تلك عادتي في الوقت‬
                                                               ‫يشغله سؤال آخر «كيف‬
                                                             ‫سنتكلم معه؟»‪ .‬ردت أمي‪:‬‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184