Page 180 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 180

‫العـدد ‪30‬‬                             ‫‪178‬‬

                              ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬                       ‫المفترض أن يأتي فيه أبي‬
                                                             ‫لي ِقلني‪ .‬ودائ ًما ما تقول أمي‬
 ‫ما إلى أولجا‪ ،‬فترجمت ذلك‬     ‫الجميع السلام بيده اليمني‪،‬‬     ‫وقتها‪« :‬أوقفي ذلك‪ ..‬تبدين‬
‫بأن ساشا في غاية السعادة‬             ‫نطق أسماءنا جمي ًعا‬     ‫مثيرة للشفقة»‪ .‬وفي حقيقة‬
 ‫ح ًقا لمقابلتي‪ .‬عرفت أن هذا‬
                                    ‫بصعوبة كأنما يخور‪.‬‬            ‫الأمر كانت هي المثيرة‬
   ‫صحيح لأن أولجا قالتها‬       ‫انحنت أولجا لتقبلني قائلة‬     ‫للشفقة‪ ،‬تبدل فساتينها قبل‬
‫بسعادة حقيقية كأنما تعني‬
                                  ‫إنها أخبرت ساشا أنني‬        ‫زيارة أبي‪ ،‬تمشط شعرها‬
    ‫ما تقول‪ ،‬أو ربما تكون‬       ‫أقرب شخص بالنسبة لها‬           ‫بطريقة ثم تعود وتمشطه‬
     ‫تلك السعادة في البداية‬    ‫في هذا العالم وهو متشوق‬          ‫بطريقة أخرى‪ ،‬تتبرج ثم‬
‫فقط‪ ،‬حتى أن جدي قال لها‬         ‫ج ًّدا للقائي‪ .‬رأيتها ليست‬
 ‫بصوته الجهوري‪« :‬تبدين‬         ‫ممسكة فقط بيد ساشا بل‬            ‫تزيل تبرجها ثم بعد كل‬
   ‫متألقة يا أولجا»‪ .‬وأمنت‬       ‫تحرك أصابعها على كفه‪،‬‬         ‫هذا تجري لتختبئ بغرفة‬
‫جدتي على رأيه‪ ،‬بينما طلبت‬     ‫لذا فهمت أخي ًرا أن هذه هي‬       ‫النوم بمجرد أن تسمعني‬
  ‫أمي من الجميع أن يتبعها‬       ‫لغة الإشارة اللمسية التي‬
                              ‫تتحدث بها أولجا مع ساشا‬               ‫صائحة‪« :‬لقد جاء»‪.‬‬
               ‫إلي الطاولة‪.‬‬                                   ‫اتفق أن فاتني رؤية أولجا‬
  ‫بدت سلطة أوليفر كطعام‬                     ‫طوال الوقت‪.‬‬
‫غير مناسب بالمرة لشخص‬            ‫وضع ساشا يده اليمني‬            ‫وساشا لحظة وصولهم‪،‬‬
                                ‫أمامه‪ ،‬وضعت يدي عليها‬         ‫فاجأني جرس الباب بينما‬
         ‫أعمى‪ ،‬كل مكعبات‬        ‫فأطبق على أصابعي بكفه‬
‫الخضروات واللحم الصلبة‪،‬‬        ‫وابتسم لشيء وراء ظهري‬            ‫كنت جالسة على الحمام‬
                               ‫فالتفت ورائي لكني لم أجد‬            ‫وسروالي على ركبتي‪،‬‬
    ‫اللزجة‪ ،‬كانت تنزلق من‬       ‫شيئًا هناك سوى الثلاجة‬
    ‫الشوكة منتشرة بكامل‬         ‫بصوتها الصاخب وكومة‬             ‫صرخت‪« :‬لا يفتح الباب‬
   ‫الطبق مما اضطر ساشا‬                                          ‫أحد‪ ..‬حتى أخرج»‪ .‬ليس‬
                                    ‫من الصناديق الفارغة‬       ‫هناك ما يحرجني أكثر من‬
       ‫لمطاردتها‪ ،‬ظل يطعن‬       ‫بأعلاها‪ .‬أخذت أولجا يده‬         ‫أن يراني الضيوف بهذا‬
      ‫بشوكته سطح الطبق‬                                        ‫الوضع وبالأخص ضيوف‬
  ‫كأنما رجل يمشي بعكازه‬             ‫اليسرى واضعة إياها‬          ‫بتلك المكانة‪ .‬لكن بالطبع‬
  ‫على الرصيف عكس اتجاه‬             ‫على رأسي‪ ،‬نزل بعينيه‬       ‫فتحت أمي الباب‪ ،‬فمن من‬
  ‫المشاة‪ .‬وكلما استطاع أن‬          ‫المحدقتين حتى تقابلت‬          ‫الممكن أن يستمع لطفل‬
  ‫يتدبر اصطياد مكعب أخذ‬
  ‫رشفة من كأس الكونياك‬                     ‫عيوننا تقريبًا‪.‬‬          ‫يتوسل من الحمام؟!‬
      ‫خاصته كأنما يحتفل‪.‬‬             ‫هناك تعبير دائ ًما ما‬      ‫استخدم ُت جدتي كساتر‬
‫لم أستطع أن أصرف نظري‬         ‫يستخدمه الناس حينما يسد‬
 ‫عنه على الرغم من معرفتي‬          ‫شخص مجال رؤيتهم‪..‬‬                 ‫وخرجت من الحمام‬
‫أن ذلك ليس بالفعل المهذب‪،‬‬          ‫«أنت! أتظن نفسك من‬            ‫مختبئة وراءها‪ .‬بحلول‬
  ‫ظللت أردد لنفسي‪« :‬علي ِك‬       ‫زجاج!»‪ ،‬لكن ساشا نظر‬        ‫وقت دخولهم بالممر المؤدي‬
                              ‫عبري كأني لا شيء كما لو‬         ‫للصالة خلع ساشا وأولجا‬
               ‫أن تخجلي»‪.‬‬      ‫كنت بالفعل من زجاج‪ .‬كاد‬       ‫معطفيهما‪ ،‬ن َّظفا أقدامهما في‬
     ‫في البداية أولجا تركت‬     ‫أن يتملكني الخوف وأردت‬           ‫نشاط بممسحة الأرض‪.‬‬
 ‫ساشا ليركز بطعامه بينما‬           ‫الاختباء غير أني لمحت‬      ‫ساشا كان أقصر وأضخم‬
    ‫قامت هي بالحديث كله‪.‬‬       ‫أولجا تنظر إل َّي لذا ابتسمت‬     ‫من أولجا‪ ،‬له وجه مربع‬
   ‫لا‪ ..‬لم يولد ساشا أص ًّما‬     ‫وضغطت على يد ساشا‪.‬‬             ‫ناعم وعين نصف مغلقة‬
    ‫وأعمى‪ ،‬لقد فقد البصر‬       ‫خار باسمي وأشار بشيء‬            ‫تبدو حولاء‪ ،‬تمسك أولجا‬
    ‫والسمع في سن الرابعة‬                                         ‫يده اليسرى بينما بادله‬
   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185