Page 181 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 181

‫حول العالم ‪1 7 9‬‬

   ‫الفراولة البرية‪ .‬في يوليو‬       ‫بأصابعه‪ ،‬فما كان من‬           ‫بعد معركة طويلة مع‬
  ‫الفائت حينما كانت تزور‬       ‫أولجا إلا أن قالت إنه يريد‬    ‫الالتهاب السحائي‪ .‬رفض‬
                              ‫أن يشكركم على الطعام‪ ،‬كل‬       ‫والداه التعامل معه كعاجز‬
      ‫موسكو أخذها ساشا‬         ‫الأصناف لذيذة وبالأخص‬          ‫وعلَّماه أن يكون مستق ًل‬
  ‫إلى الغابات وعلمها كيفية‬     ‫اللحم ويريد أن يعرف سر‬        ‫بقدر إمكانهما‪ ،‬ثم أرسلاه‬
                                                              ‫إلى مدرسة أطفال خاصة‬
                  ‫إيجادها‪.‬‬                     ‫مكوناتها‪.‬‬
 ‫ثم قال شيئًا آخر‪ ،‬ور ِغب ُت‬  ‫ردت أمي‪« :‬الدق الكثير هو‬                  ‫بالصم والبكم‪.‬‬
 ‫أن تترجمه أولجا لكنها لم‬      ‫السر»‪ .‬ترجمت أولجا ذلك‬          ‫كانت مدرسة ممتازة في‬
                                                             ‫الحقيقة‪ ،‬وأثبت ساشا أنه‬
   ‫تستطع قائلة هذا الكلام‬         ‫لساشا حتى أنها لكزت‬          ‫تلميذ لامع بالفعل‪ .‬كان‬
   ‫أكثر من قدرتي‪ ،‬كما أن‬         ‫كفه بقبضتها مرات عدة‪،‬‬       ‫واح ًدا من أربعة خريجين‬
‫معظمه شديد الخصوصية‪.‬‬
     ‫كانت الدموع تتلألأ في‬         ‫تسبب ذلك في ضحكه‬               ‫تم دعوتهم للتدريس‬
    ‫عينيها وفجأة احتضنت‬        ‫للمرة الأولي‪ ،‬ضحكة تشبه‬        ‫بجامعة الولاية بموسكو‪.‬‬
‫بكفها يدي ساشا وقبلتهما‪.‬‬      ‫خشخشة أنين متصل‪ .‬لكن‬
     ‫بهذه الدقائق أحسسنا‬        ‫كنا جمي ًعا سعداء لتقديره‬       ‫قالت أولجا ذلك بنفس‬
   ‫جمي ًعا بحضور شيء ما‬                                          ‫نبرة الفخر التي تخبر‬
    ‫بالغرفة‪ ،‬صحيح أني لا‬        ‫كل من الأكل ونكات أمي‬        ‫أمي بها الناس عما حققته‬
 ‫أستطيع التأكيد بأن جدي‬           ‫(لا يفعل الجميع ذلك)‪.‬‬
  ‫وجدتي أحسا به‪ ،‬إلا أني‬         ‫بنهاية الوجبة بدأ ساشا‬            ‫من إنجازات‪ .‬حصل‬
‫أحسست وأستطيع أن أؤكد‬              ‫بالتحدث أكثر‪ ،‬لو كان‬       ‫أولئك الخريجون الأربعة‬
  ‫نفس الأمر بالنسبة لأمي‪.‬‬         ‫للكحول أثر على ارتخاء‬
     ‫كان هذا الشيء هائ ًل‪،‬‬                                     ‫على درجة الدكتوراه في‬
  ‫مهيبًا‪ ،‬ينمو خارج طاولة‬     ‫اللسان فربما يكون له نفس‬      ‫الفلسفة‪ ،‬لكن إنجاز ساشا‬
 ‫العشاء‪ ،‬يعلو ويعلو ويعلو‬         ‫الأثر على الأصابع‪ ،‬راح‬    ‫كان ملاح ًظا بصفة خاصة‪،‬‬
 ‫كأنما كنيسة تشق السماء‪.‬‬                                     ‫لأنه الوحيد بينهم الأعمى‬
 ‫إن هذا الإحساس لا يشبه‬         ‫يغرز أصابعه بلحم راحة‬
‫أي إحساس عرفته بحياتي‪.‬‬         ‫يدها في سرعة مدهشة فما‬          ‫والأصم بالكامل‪ ،‬أندريا‬
                                                             ‫مث ًل رفيقه بالغرفة يمكنه‬
      ‫كنت أتمني القول إني‬         ‫كان منها إلا أن ترجمت‬
 ‫أدركت ذلك لكني لم أفعل‪،‬‬           ‫لنا كلامه عن الروائح‪،‬‬          ‫السمع بشكل معقول‬
                              ‫وأهميتها بالنسبة له‪ ،‬وكيف‬        ‫بمساعدة سماعة الأذن‪،‬‬
    ‫فما شعرت به كان نقيًّا‬     ‫عرف أننا أناس طيبون من‬          ‫تخيل كم كانت الدراسة‬
‫خال ًصا تجاوز حدود الفهم‪.‬‬       ‫رائحة الدفء العائلي التي‬        ‫سهلة بالنسبة إليه‪ ،‬في‬
‫قالت جدتي بعد مغادرتهما‪:‬‬      ‫تنبعث من المنزل‪« .‬إنما تلك‬        ‫الحقيقة ليس من العدل‬
                               ‫رائحة اللحم» همست أمي‬        ‫مقارنة ما حققه بما أنجزه‬
     ‫«الحب أعمى بالفعل»‪.‬‬        ‫بذلك لكني رأيتها سعيدة‪.‬‬
  ‫ورد جدي ساخ ًرا‪« :‬أعمى‬          ‫تحدث عن الغابات التي‬                         ‫ساشا‪.‬‬
                              ‫اصطحبته أمه إليها صغي ًرا‪،‬‬      ‫«بالطبع هذا ليس عاد ًل‪..‬‬
                  ‫وأصم»!‬        ‫تقوده لشجرة أو شجيرة‬
 ‫لكن أمي لم تقل أي شيء‪.‬‬            ‫وتطلب منه أن يلمسها‬            ‫في الحقيقة كنت أقرأ‬
                                                              ‫مؤخ ًرا بمجلة البرافدا‪»..‬‬
     ‫ذهبت لغرفتها وأغلقت‬             ‫وتعلمه كيفية التقاط‬    ‫قالها جدي خاف ًضا حاجبه‬
‫الباب خلفها‪ ،‬ذهبت وراءها‬           ‫التوت‪ ،‬كما تعلم كيفية‬    ‫الأيمن‪ .‬لكن ساشا الذي لم‬
‫ولم تكن قد أضاءت الغرفة‬        ‫إيجاد الفراولة البرية بيده‪.‬‬  ‫يكن ليعرف أن جدي يتكلم‬
‫لذا لم أستطع الرؤية‪ ،‬لكني‬        ‫لم تجرب أولجا من قبل‬        ‫في الأصل قاطعه بسلسلة‬

                                                                  ‫من الحركات العاجلة‬
   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186