Page 60 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 60

‫العـدد ‪30‬‬   ‫‪58‬‬

                                                            ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

   ‫فأراد أن يتزوج هو الآخر من كلبة طم ًعا منه في‬              ‫فسمع عم هينة ما قاله ابنه‪ ،‬وكان منذ تلك الليلة‬
      ‫أن تتحول إلى عروس حسناء‪ ،‬وبدا يقول لها‪:‬‬                ‫التي أصابه فيها وجع أضراسه قد عزم على أن لا‬
                                                            ‫ينام حتى يسمع الحوار المعلوم‪ .‬وفي الغد فعل مثل‬
   ‫«سلُ ْخ ملُ ْخ ُلو ْح ال َجل ْد» وهي تكشر عنه بأنيابها‪:‬‬   ‫ما سمع‪ ،‬ولما شبع ذلك الطائر من اللحم وثقل عن‬
  ‫«عرررررر»‪ ،‬إلى أن اشتد غضبها فانقضت عليه‪،‬‬
                                                               ‫الطيران‪ ،‬أخرج بندقيته وصوبها نحوه وقال له‪:‬‬
               ‫وهرب مذعو ًرا وهي تتعقب قدميه‪.‬‬                                     ‫“ ُح ّْط ُيوسف كما ابتلعته”‪.‬‬
   ‫أما يوسف وهينة فقد عاشا حياة سعيدة إلى أن‬                                                 ‫‪ -‬اتقياه أعمى‪.‬‬
                                                                                   ‫‪ُ -‬ح ّْط ُيوسف كما ابتلعته‪.‬‬
     ‫أتاهما هازم اللذات ومفرق الجماعات‪ ،‬وأما أنا‬                                                ‫‪ -‬بلا يدين‪.‬‬
     ‫فخبيرتي مشات مع الواد وأنا بقيت مع أولاد‬
 ‫الأجواد‪ ،‬وموعدنا يتجدد مع حكاية جديدة إن شاء‬                  ‫واستمر الجدال بينهما‪ ،‬فما كان منه إلا ان تقيأه‬
                                                             ‫كام ًل مكمو ًل مغشيًّا عليه‪ ،‬وارتمى في تلك الضاية‬
                                         ‫الله(‪.)6‬‬
                                                                                              ‫وكانت نهايته‪.‬‬
      ‫المفاهيم النقدية الإجرائية‬                                ‫أما الأب فقد حار في أمره وما يفعله لابنه حتى‬
                                                                ‫يستعيد وعيه ويستفيق من غشيته تلك‪ ،‬وفجأة‬
    ‫سنعتمد في هذه القراءة لحكاية «هينة والغول»‬              ‫رأى وزغتان تلعبان بينهما‪ ،‬فشغله أمرهما عن ابنه‪،‬‬
     ‫مجموعة من المفاهيم النقدية الإجرائية المنتمية‬            ‫فضربت إحداهما الأخرى فسقطت مغشيًّا عليها‪،‬‬
‫للنظرية الشعرية (علم السرد) خصو ًصا من خلال‬                   ‫فقال لها‪ :‬أرأيت‪ ..‬لقد أغمي عليها فماذا ستفعلين‬
  ‫اجتهادات تزفيتان تودوروف الناقد الفرنسي من‬                ‫لإيقاظها؟ فردت‪ :‬الهم همك‪ ،‬أما أنا فسأفيقها حا ًل‪.‬‬
    ‫أصل بلغاري (‪ ،)2017 /1939‬وجيرار جنيت‬                         ‫وسرعان ما اقتلعت بعض الأزهار والرياحين‬
  ‫الفرنسي (‪ ،)... -1930‬من جهة أولى‪ ،‬ومن جهة‬                 ‫وأشمتها لأختها فاستفاقت لتوها‪ ،‬فاخذ منها در ًسا‬
‫ثانية بعض المفاهيم المنتمية للنظرية السيميائية عند‬               ‫جمي ًل‪ ،‬وقطف الورود نفسها وأشمها يوسف‬
   ‫الخيرداس جوليان غريماس الناقد الفرنسي من‬                  ‫فاستفاق من غشيته‪ ،‬فتعانقا وتباكيا فر ًحا باللقاء‪،‬‬
 ‫أصل ليتواني (‪ ،)1992 /1917‬مع توظيف مفهوم‬
    ‫«الحد» كما بلوره الناقد الروسي يوري لوتمان‬                                ‫وعمت الفرحة كل أرجاء الدوار‪.‬‬
‫(‪ )1993 /1922‬في تحليل خصوصية المكان داخل‬                    ‫وعزم يوسف الزواج بعد كل هذا الضياع والعذاب‪،‬‬
                                                            ‫وتنافست بنات الدوار في الظفر بخطوبته‪ ،‬لكنه قرر‬
                                   ‫هذه الحكاية‪.‬‬
 ‫ونحن نعي خصوصية كل نظرية نقدية وصعوبة‬                          ‫ألا يتزوج إلا تلك الكلبة المقهورة‪ ..‬وشاع خبره‬
                                                              ‫وذاع في الدواوير المجاورة‪ ،‬و ُظ َّن بعقله الظنون‪،‬‬
   ‫الجمع بين مفاهيم تنتمي لأطر مرجعية مختلفة‪،‬‬
   ‫ولكن نراهن على القوة الإجرائية لبعض المفاهيم‬                             ‫وسخر منه الحساد والساخرون‪.‬‬
   ‫النقدية ومرونتها في الوصول إلى نتائج مهمة في‬                  ‫وكان أبوه الوحيد الذي يعرف سر تلك الكلبة‬
    ‫التحليل‪ ،‬بحيث سنسعى إلى توظيف كل مفهوم‬                    ‫وأنها هي هينة‪ ،‬فأقام لهما عر ًسا يليق بمقاميهما‪،‬‬

      ‫إجرائي في المستوى المناسب له بشكل يحترم‬                      ‫واجتمع الناس من كل حدب وصوب فأكلوا‬
  ‫انتماءه لمرجعيته النقدية والفلسفية بدون تعسف‬                                       ‫وشربوا‪ ،‬ولذوا وطربوا‪.‬‬

                             ‫ولا إسقاط مجاني‪.‬‬                  ‫وفي الصباح ذهبت الخادم لتتفقد أمر سيدها مع‬
           ‫الحكاية‪ :‬المتن الحكائي أو بنية الأحداث‪:‬‬             ‫تلك الكلبة‪ ،‬وما إن فتحت الباب حتى انبهرت بما‬
‫تقوم حكاية «هينة والغول» في نسختها المعتمدة على‬
   ‫جملة محدودة من الأحداث الأساسية نجملها في‬                    ‫رأته من حسن هينة وجمالها‪ ،‬فرجعت وهي لا‬
                                                               ‫تصدق عينيها‪ ،‬وحكت للنساء كل ما رأته‪ ،‬فعلت‬
                                         ‫التالي‪:‬‬              ‫الزغاريد‪ ،‬وبهت كل َح َّساد عنيد‪ ،‬وشاع الخبر في‬
  ‫‪ -‬حدث عثور هينة على المغزل الذي سيتحول إلى‬                 ‫الدوار وبلغ صيته الأمصار‪ ،‬فكان هناك أبله مغفل‬
                                                             ‫في إحدى الدواوير القريبة‪ ،‬وكان قد سمع بالخبر‪،‬‬
                                   ‫غول يهددها‪.‬‬
   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65