Page 66 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 66
العـدد 30 64
يونيو ٢٠٢1
علم الجمال الحديث ،جماليات عصر الأنوار ،من بالمصطلحات النقدية الشكليّة ،مثل :مقامات التلفظ،
الرومانسية حتى الحركة الطليعية ،ماذا يستطيع وصيغ الدلالة ،والاستعارة ،والكناية ،والتبئير
الأدب؟ تواصل لا ينفد)؛ تقديم إجابة واضحة ِلا قد الداخلي والخارجي ،ووظائف ياكبسون الست،
يشغ ُل ذهن القارئ من تساؤلات ،شريطة أن يقرأها
مجتمعة مترابطة ،لا على أنها عبارة عن مجموعة والعوامل الستة لغريماس ،والارتجاع والاستباق..
من المقالات المنفصلة التي تعبر عن رأي طودوروف إلخ؛ إلى أن أصبح النص في خدمة هذه المصطلحات
في مسائل أدبية ونقدية عامة ،تنتمي إلى فترات وليس العكس.
زمنية متباينة. فما الفهم الحقيقي الذي أراده طودوروف من
شعريته في تص ّورها للنص الأدبي؟ وهل فع ًل أساء
من وجهة نظري ،فإن مادة الكتاب مجتمع ًة تكشف الشكلانيون ثم البنيويون فهم مقولاته حول مناهج
لنا عن خطرين رئيسين يهددان الأدب: تحليل النص الأدبي ،ما جعله يعود هنا مرة أخرى
لتصحيح مسار مقولاته ،لكن في صورة هجوم
الخطر الأول :يتمثل في عدم إدراك ماهية الأدب قا ٍس على طرائقهم النقدية التي حولت النقد إلى
ووظيفته ،وعلاقته بالعالم ْي ِن( :الفردي والجمعي)، تحليل مدرسي يكتفي بقشور النص مع عزله عن
وهي مسألة يشترك فيها المبدع ،والقارئ العادي، العالم والتجارب الإنسانية الأخرى ،وهو ما جعله
والناقد (المشتغل بالأدب) على ح ّد سواء ،مسألة يقول صراحة“ :إنهم يغتالون الأدب ،لا بدراسة
نصوص غير أدبية في المدرسة ،بل بجعل الأعمال
مركزية حاول طودوروف عبر مسيرة الفصول الأدبية مجرد أمثلة إيضاحية لرؤية شكلانية ،أو
التأكيد عليها بصورة مباشرة وغير مباشرة ،وربما عدمية ،أو أنانية للأدب” (ص .)54ليكون هذا
العنوان المثير للجدل( :الأدب في خطر) من ِقبل
هذا يفسر سبب اقتراب الكتاب من شكل النص طودوروف إحدى نتائج هذه القراءات العبثية
السيرذاتي ،الذي افتتح بتمهيد عرض لنا التكوين
الأدبي لطودوروف منذ صغره وعلاقته بالأدب: للأدب آنذاك.
“واصلت عشقي للقراءة ..الدخول إلى عالم ال ُكتاب.. على أية حال ،يضعنا خطر طودوروف أمام
تساؤلات لا نهائية ،مثل :هل فع ًل هناك أزمة تواجه
الذين كنت أقرأ الآن نصوصهم الكاملة ..يوفر الأدب أم أ ّن توظيف هذا العنوان الشائك كان بهدف
لي دائ ًما هزة استمتاع( ”..ص ،)5تمهيد قد يظ ّن إثارة القارئ ،لحثه على التفاعل مع مادة الشيء
القارئ معه أنه أمام كلام إنشائي تقريري ،قد يجد المعنون؟ وإن كان هناك خطر فعلي ،فمن المُ َتسبِ ُب
شبي ًها له في إجابة سؤال تقليدي يوجه عاد ًة إلى فيه؟ ثم هل لدينا القدرة على مواجهته للحد من
أديب في بداية رحلته الإبداعية .لك ّن المتأمل في كلام استفحاله وتفاقم أمره؟ مع أهمية هذه التساؤلات
طودوروف وسخريته من الحالة التي وصل إليها يبقى التساؤل الأهم :هل آثار هذا الخطر متعلقة
الأدب في زمنه؛ يمكنه إدراك أ ّن هذا التمهيد يمثّل فقط بتلقي الأدب أيام طودوروف ،ما يجعل كتابته
نق ًدا ساخ ًرا لاذ ًعا موج ًها إلى هؤلاء الذين عمدوا إلى حول هذا الموضوع كتابة وقتية منتهية بانتهاء
خنق الأدب وحبسه في قماقم شكلية (الشكلانيون فترتها الزمنية ،أم أ ّن صدى هذا الخطر لا يزال إلى
خاصة) ،تمهيد أراد طودوروف بواسطته إجابة: أيامنا هذه يسكن آمنًا مطمئنًا في سطور قراءاتنا
لماذا الأدب في خطر؟ ببساطة :لأ ّن المشتغلين بالأدب
للنصوص الأدبية؟
في (المدارس ،والجامعات ،والحلقات النقاشية،
والمقالات الصحفية) لم يستوعبوا المعنى الحقيقي خطران متلازمان
لوظيفة الأدب؛ بمعنى آخر :لأنهم لم يتساءلوا في
دراساتهم الأدبية كما تساءل طودوروف في ختام حاولت مادة الكتاب بتمهيدها وفصولها السبعة:
(اختزال عبثي للأدب ،ما وراء المدرسة ،نشوء
تمهيده :لماذا أُحب الأدب؟
بهذا يتبيّن السبب الحقيقي من وراء استغراق
طودوروف في ذكر تفاصيل علاقته الذاتية بالأدب
قراء ًة واشتغا ًل (الكلام عن الكتب سيكون مهنتي)،