Page 70 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 70

‫العـدد ‪30‬‬        ‫‪68‬‬

                                                     ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

 ‫كما في دراسة الناقد الأمريكي جوزيف فرانك التي‬          ‫هنا يسهم كتاب قد قرأه مصادفة في شفائه‪ ،‬إنه‬
   ‫خصصها لدستوفيسكي‪ ،‬وقد أتبعها طودوروف‬                ‫ديوان شعر لوردسورث‪ ،‬وجد فيه ستيوارت ِمل‬
   ‫بمقولة تبيّن العلاقة بين مناهج القراءة المختلفة‪:‬‬     ‫التعبير عن إحساساته الخاصة‪ ،‬يقول‪“ :‬كنت في‬

‫“ندرك بالتدريج أن كل هذه المنظورات أو المقاربات‬           ‫حاجة إلى ما يجعلني أحس أنه يوجد في التأمل‬
     ‫لنص من النصوص‪ ،‬ليست بتا ًتا متنافسة‪ ،‬بل‬           ‫الهادئ لأشكال الجمال في الطبيعة سعادة حقيقية‬
                                                      ‫ودائمة‪ .‬علمني وردسورث إياها ليس فحسب دون‬
 ‫متكاملة‪ ،‬بشرط التسليم منذ البداية بأ ّن الكاتب هو‬
    ‫ذاك الذي يلاحظ ويفهم العالم الذي يعيش فيه‪،‬‬            ‫أن يصدني عن تأمل العواطف العادية ومصير‬
                                                           ‫الإنسانية المشترك‪ ،‬بل بمضاعفة اهتمامي بها‬
 ‫قبل أن يجسد هذه المعرفة في قصص‪ ،‬وشخوص‪،‬‬
           ‫وإخراج‪ ،‬وصور‪ ،‬وأصوات”‪( .‬ص‪)54‬‬                                                    ‫(ص‪.)44‬‬
                                                          ‫لم يقف الأمر عند هذا الحد‪ ،‬بل إن بطل رواية‬
  ‫بهذا يتضح لقارئ هذا الكتاب أ ّن هذا التوازن هو‬        ‫(شارترية بارما لستندال)‪ ،‬كان له أثره في تغيير‬
‫الذي يحقق جوهر الأدب من حيث هو فعل إنساني‬            ‫مجرى حياة شارلوت دبلو‪ ،‬التي تآمرت ضد المحتل‬
                                                         ‫الألماني وقبض عليها‪ ،‬لتظل وحيدة في زنزانتها‪،‬‬
    ‫تواصلي في المقام الأول‪ ،‬يهدف إلى تحقق العالم‬         ‫وحدة كسر جوها ما فعلته صديقتها في الطابق‬
   ‫الكوني والثقافة الكونية المتصلة‪ ،‬تلك التي تجعل‬         ‫الأسفل التي أمدتها بكتب كانت تستعيرها من‬
‫الأجيال قادرة على فهم العالم الذي تحياه بوضوح‪،‬‬       ‫المكتبة‪ ،‬فتضفر دبلو ضفيرة من خيوط استلّتها من‬
                                                      ‫غطائها‪ ،‬لتصعد بالكتب من النافذة‪ ،‬ولتبدأ معايشة‬
      ‫ولذلك كان منطقيًّا أن يختم طودوروف لحنه‬        ‫الأبطال المتخيّلين‪ .‬مع مرور الأيام اكتشفت دبلو أن‬
         ‫النقدي في فصله الأخير بتواصل لا ينفد‪.‬‬         ‫شخوص الكتب يمكن أن يصبحو رفا ًقا موثوقين‪،‬‬
                                                         ‫فتكتب‪“ :‬مخلوقات الشاعر هي أكثر حقيقة من‬
    ‫في الأخير‪ ،‬بقي التأكيد على أن كتاب (الأدب في‬           ‫مخلوقات اللحم والدم لأنها غير قابلة للنفاذ‪.‬‬
  ‫خطر) يلفت نظر قارئه إلى مجموعة من الإشارات‬             ‫لذلك هم أصدقائي‪ ،‬أولئك الذين بفضلهم نرتبط‬
‫المهمة في مجال النظرية النقدية‪ ،‬أهمها‪ :‬ارتباط نشأة‬    ‫بالبشر الآخرين‪ ،‬في سلسلة الكائنات‪ ،‬وفي سلسلة‬

     ‫المنهج بالأيديولوجيا‪ ،‬فالأيديولوجيا السياسية‬                                 ‫التاريخ”‪( .‬ص‪)44‬‬
    ‫(الماركسية) في روسيا‪ ،‬والبلدان الأخرى (مثل‪:‬‬      ‫إذا كان هذا هو التغيير الإيجابي الذي ُيحدثه الأدب‬
   ‫بلغاريا موطن طودوروف)؛ كانت هي السبب في‬           ‫في حالة النظرة إليه بوصفه مظه ًرا إنسانيًّا‪ ،‬فإن هذا‬
    ‫القول بالواقعية الاشتراكية ونظرية الانعكاس‪،‬‬
  ‫حينئذ كانت الأعمال الأدبية الماضية أو الحاضرة‬               ‫المظهر نفسه بحسب طودوروف يمكن أن‬
                                                                ‫يجذب النقد نحو آفاق أوسع‪ ،‬بإخراجه‬
      ‫تقاس بمقياس التوافق مع العقيدة الماركسية‬
       ‫اللينينية‪ ،‬أي أنه لا يمكن دراسة الأدب دون‬              ‫من النطاق الشكلاني وفتحه على السجال‬
   ‫الخضوع لمطالب الإيديولوجيا‬                                    ‫العريض للأفكار‪ ،‬الذي تشترك فيه كل‬
                                                                                     ‫معرفة للإنسان‪.‬‬
                       ‫المهيمنة‪.‬‬
  ‫لكن مع القرن العشرين نجد أن‬                                         ‫محاولات لتل ّمس الطريق‬

    ‫النزعة التحررية‪ ،‬التي حملت‬                                        ‫على الرغم من فداحة المشهد العبثي‬
     ‫على عاتقها التخلص من آثار‬                                         ‫لدراسة الأدب‪ ،‬إلا أن طودوروف‬
    ‫هذا الواقع الماركسي بأفكاره‬                                        ‫يرى أن هناك من استطاع تحقيق‬
     ‫الجاهزة التي تعلي من سطلة‬                                           ‫التوازن بين المقاربتين‪ :‬الداخلية‬
  ‫الفرد؛ هي التي دفعت الحركات‬                                         ‫والخارجية في قراءة النص الأدبي‪،‬‬
 ‫الطليعية والنقد الجديد إلى التمرد‬
  ‫والبحث عن معنى جديد للواقع‪،‬‬
  ‫عبر التأكيد على أن الفن والأدب‬
   ‫لا ُيقيمان أي علاقة ذات معنى‬
      ‫مع العالم‪ .‬هذه هي المسلمة‬

                                                     ‫تزفيطان طودوروف‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75