Page 69 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 69
67 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
هذه المذاهب في الحركة النقدية ،إنما قصد -حسب (دراسة علاقة عناصر العمل الأدبي فيما بينها)
فهمي -أن هذه المذاهب رغم أنها نادت باستقلالية ينبغي أن تكون مكملة للمقاربة الخارجية (دراسة
الفن ،فإنها لم تل ِغ القول بالقصدية أو المعنى السيّاق التاريخي ،والأيديولوجي ،والجمالي”.
الخارجي. (ص)18
هنا يستد ّل طودروف ،بآراء من داخل هذه المذاهب إن هدفه الذي لم يفهمه حتى أنصاره من البنيويين،
تأكي ًدا لتصوراته ،فتيرنر (الرسام) على سبيل هو إحداث التوازن بين المقاربت ْي ِن ،فلا مقاربة
المثال لم يخترع ضباب لندن لكنه كان أول من نصية فقط موغلة في الجمود اللفظي ،الذي يفقد
النص حيويته وإنسانيته ،ولا مقاربة تاريخية أو
أدركه حسيًّا في ذاته ،وأظهره في لوحاته ،ثم فتح
عليه عيوننا ،وبلزاك يخلق شخصياته أكثر مما ذاتية صرفة تحيل النص إلى مجرد محاكاة للخارج
يصادفها ،لكن ما إن يخلقها حتى تدخل المجتمع أو تحصر وظيفته في مجرد كونه انعكا ًسا لتو ّجه
المعاصر ،ومنذئذ لا نكف عن معاشرتها ،وكل ذلك أيديولوجي ما كما فعل أنصار الواقعية الاشتراكية.
مستمد في حقيقته من العالم. َف ْهم طودوروف للأدب يتلخص في انصهار الشكل
والمحتوى م ًعا عند التعبير عن مقصد معين سرعان
لكن الحركات الطليعية والنقد الجديد في مطلع
القرن العشرين ،ماذا فعلت؟ عمدت إلى الفصل التام ما تتسع روافده باتصاله مع التجارب الإنسانية
الأخرى (المحلية والعالمية) ،وهو فهم لم يتحقق مع
بين الداخل والخارج ،تأث ًرا بفلسفة نيتشه ،وهو
فصل مبني على دوافع إيديولوجية مرتبطة بالواقع الشكلانيين والبنيويين.
إ ّن الفصل الحقيقي بين الداخل والخارج بحسب
السياسي الذي عاصر هذه الحركات ،خاصة بعد طودوروف لم يكن إلا مع الحركة الطليعية وأنصار
مذابح الحرب العالمية الأولى ،وعواقبها السياسية النقد الجديد في مطلع القرن العشرين ،صحيح أن
التي كان لها تأثير مزدوج على الممارسات الفنية هناك اتجاهات سابقة عمدت إلى القول باستقلالية
كما على الخطابات التي تقوم بتحليلها. النص ،وأنه عالم له بنيته وتصوراته الخاصة
كما في حركة الفن للفن ،التي تؤ ّسس على مبادئ
إنسانية التجربة = العالم الكوني علم الجمال ،وأن للمتلقي دو ًرا فاع ًل في اكتشاف
هذا الجمال عن طريق إحساسه بالنص وإدراكه
للتغلب على الخطر الذي يواجه الأدب في علاقته
بالأجيال التي تستقبله يعود طودوروف في فصل: لتجلياته ،بعي ًدا عن أي مؤثرات خارجية .لكن
هذا يعد فص ًل ظاهر ًّيا ،فهذه الاتجاهات (حسب
(ماذا يستطيع الأدب؟) إلى ما بدأه في تمهيده فهمنا لكلام طودورف) لم تتجاهل القصدية التي
السيرذاتي ،من حيث التأكيد على أن الأدب هو تربط النص أو التجربة بالعالم ،غير أنها قدمت
تجربة إنسانية تجعل القارئ قاد ًرا على التأقلم مع تصو ًرا جدي ًدا لهذه القصدية ،نراه متحق ًقا مع علم
العالم الكوني ،بثقافة كونية ،ولذلك لا يرى حر ًجا الجمال الرومانسي الذي لم يكن يجهل العلاقة
في تشجيع القراءة بكل الوسائل بما في ذلك الكتب التي تربط بين الأعمال والواقع ،لكنه يرى أن الفن
التي ينظر إليها النقد (الاحترافي) بتعا ٍل إن لم يكن الذي يقوم بتأويل العالم يمنح الشكل لما لا شكل
باحتقار ،كالروايات الشعبية وأعمال هاري بوتر له .أنصار هذا المذهب ينظرون إلى الفنان على أنه
التي جذبت إليها ملايين القراء؛ لأنها أتاحت أن خالق للشيء ،وأن هذا الشيء سرعان ما يكتسب
ينشؤوا لأنفسهم صورة متناسقة عن العالم. فاعليته من خلال الموضع الذي يحتله في المجتمع
تأكي ًدا لهذه الكونية يستدل طودوروف بجانب من الذي يعاصر نشأته .هنا نقول إن طودوروف في
جوانب السيرة الذاتية لجون ستيوارت ِملُ ،مبيّنًا الفصول المعنونة بـ(نشوء علم الجمال الحديث،
كيف أن الأدب في مرحلة ما قد خ ّفف من انهياره وجماليات عصر الأنوار ،ومن الرومانسية حتى
العصبي الذي أصيب به في العشرين من عمره، الحركة الطليعية) ،لا يهدف إلى الحديث عن دور
والذي أفقده لذة الشعور بكل إحساس ممتع.