Page 71 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 71

‫‪69‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

   ‫والثقافية التي تحيط به في علاقتها بالنص‪ ،‬إنما‬           ‫المشتركة عند الشكلانيين الروس الذين حاربهم‬
    ‫جعلت لها وظيفة أكثر فاعلية يمكن من خلالها‬              ‫النظام البلشفي وسرعان ما قمعهم‪ .‬الأمر نفسه‬
    ‫الوقوف على أبعاد رؤية المؤلف للعالم‪ ،‬مع بيان‬         ‫في ألمانيا وفرنسا وأمريكا عند أنصار النقد الجديد‪،‬‬
    ‫دور هذه الرؤية في إيجاد لغة أدبية تنسجم في‬          ‫من حيث رفض تسخير الفن والأدب للأيديولوجيا‪،‬‬
 ‫تجلياتها الجمالية مع العالم المص ّور إبداعيًّا (سلبًا‬
     ‫وإيجا ًبا)‪ ،‬وفي هذا الصنيع فهم حقيقي لمسألة‬             ‫وهو ما جعل طودوروف يقول‪“ :‬وكأن رفض‬
  ‫علاقة الأديب بحياته الخاصة من ناحية‪ ،‬والعالم‬              ‫نظريات الانعكاس الماركسية يتطلب تلاشي كل‬
   ‫الآخر من ناحية أخرى‪ ،‬علاقة تتأسس على عقد‬                  ‫صلة بين العمل الفني والعالم” (ص‪ .)41‬نفهم‬
  ‫حوار مع الذات والعالم‪ ،‬دون فرض آراء مجحفة‬               ‫من ذلك أن النظريات النقدية في حقيقة أمرها هي‬
 ‫تستمد قوتها وهيمنتها من اتجاه أو حركة معينة‪،‬‬            ‫صراع أيديولوجيات واقعية متناقضة‪ ،‬وأنه لما كان‬
 ‫يقول طودوروف‪“ :‬إن الكاتب بتصويره لموضوع‪،‬‬                ‫هذا الصراع نات ًجا عن فكر إنساني في المقام الأول‬
‫أو حدث‪ ،‬أو شخصية‪ ،‬لا يفرض أطروحة‪ ،‬بل يحث‬                ‫أمكن القول هنا بأن البعد الإنساني الذي هو جوهر‬
  ‫القارئ على صياغتها‪ :‬إنه يع ِرض بدل أن يف ِرض‪،‬‬         ‫الأدب متج ِّذر في هذه النظريات على اختلاف أنواعها‬
‫وإذن يحفظ للقارئ حريته وفي الآن ذاته يحثه على‬           ‫(حتى مع الشكلانية والبنيوية) مهما أوهمت قارئها‬
 ‫أن يصير أكثر فاعلية‪ .‬وبواسطة استعمال إيحائي‬
 ‫للكلمات‪ ،‬واستعانة بالقصص‪ ،‬والأمثلة‪ ،‬والحالات‬                                              ‫بخلاف ذلك‪.‬‬
   ‫الخاصة‪ُ ،‬يح ِدث العمل ارتجا ًجا للمعنى‪ ،‬ويح ِرك‬        ‫من هنا‪ ،‬فإن طودوروف في سعيه لإقامة التوازن‬
                                                          ‫بين المقاربتين‪ :‬الداخلية والخارجية‪ ،‬هو في حقيقة‬
      ‫جهازنا للتأويل الرمزي‪ ،‬ويوقظ قدراتنا على‬            ‫الأمر يرغب في إقامة توازن وتصالح وتكامل بين‬
‫التداعي‪ ،‬ويثير حركة تتواصل ذبذباتها زمنًا طوي ًل‬
                                                             ‫الأيديولوجيات المختلفة‪ ،‬ذلك لأن الأدب والنقد‬
                 ‫بعد الاتصال الب ْدئي”‪( .‬ص‪)46‬‬            ‫كلاهما يسعيان لفهم شيء واحد وهو الإنسان في‬
‫فهل نحن بالفعل قادرون على تحقيق هذا التواصل‬
                                                           ‫صراعه مع الحياة‪ .‬تحقيق هذا التوازن هو الذي‬
    ‫الإنساني‪ ،‬أم أننا سنف ّضل العيش (راضين) في‬            ‫جعله يؤمن بفلسفة النص الجامع‪ ،‬خاصة بعد أن‬
  ‫فلك المادية المقيتة‪ ،‬التي تجعل من الإنسان مجرد‬        ‫أشرف مع جيرار جنييت على مجلة (شعرية)‪ ،‬التي‬
  ‫آلة‪ ،‬يمكن الاستغناء عنها في حالة وجود بديل ما‬          ‫سعت من خلال أبحاثها ودراساتها إلى فتح الأدب‬
                                                        ‫على ما يربط الأعمال الأدبية بعضها ببعض‪ ،‬وهو ما‬
                               ‫كالروبوت مثلً؟‬            ‫يجعل الأدب خطا ًبا عا ًّما نسمع صداه في كل زمان‬
                                                        ‫ومكان‪ ،‬كل ذلك لأن طودوروف مؤمن بأن‪“ :‬الأدب‬
                   ‫هوامش‪:‬‬
                                                              ‫لا ينشأ في الفراغ‪ ،‬بل في حضن مجموعة من‬
 ‫* تزفيطان طودوروف‪ ،‬الأدب في خطر‪ ،‬ترجمة‪:‬‬                ‫الخطابات الحية التي يشاركها في خصائص عديدة”‬
‫عبد الكبير الشرقاوي‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪،‬‬          ‫(ص‪ ،)9‬فالأعمال الأدبية بحسب وصفه تحيا دائ ًما‬
                                                         ‫ضمن سياق وفي حوار معه‪ .‬ولعل هذا يفسر كثرة‬
                                  ‫ط‪.2007 ،1‬‬
‫* تزفيطان طودوروف‪ ،‬الشعرية‪ :‬ترجمة‪ :‬شكري‬                  ‫الأمثلة التي أوردها طودوروف في كتابه حول أثر‬
                                                                ‫قراءة عمل أدبي في تغيير حياة شخص ما‪.‬‬
   ‫المبخوت ورجاء بن سلامة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬‬
          ‫المغرب‪ ،‬ط‪ ،1987 ،1‬ص‪ 20‬وما بعدها‪.‬‬               ‫بهذا‪ُ ،‬يفهم أ ّن شعرية طودوروف لا تلغي الاهتمام‬
                                                        ‫بقضايا خارجية‪ ،‬مثل‪ :‬المؤلف والمؤثرات الاجتماعية‬
   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76