Page 68 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 68

‫العـدد ‪30‬‬   ‫‪66‬‬

                                                       ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

     ‫لكن هل قصد إلى إسقاط المعنى أو الخارج من‬               ‫والاقتراب أكثر من حقل الدرسات الأكاديمية‪،‬‬
‫حساباته؟ يمكن الإجابة عن هذا السؤال بالنفي بنا ًء‬        ‫خاصة تلك التي تتبع مناهج التحليل الأدبي التي‬
                                                          ‫كانت متج ّذرة في التحليلات البنيوية؛ توصل إلى‬
   ‫على التفاعل مع الجملة التي تلت المقطع السابق‪:‬‬         ‫ملاحظة لا يمكن تجاهلها‪ ،‬وهي غياب القصدية‬
   ‫“فالشعرية إذن مقاربة مجردة وباطنية في الآن‬            ‫النهائية للأعمال الأدبية‪ ،‬فهل هذا ما طمح إليه‬
  ‫نفسه”‪ ،‬فحسب فهمي أن (مقاربة مجردة) تعني‬
                                                             ‫من قبل هو وأنصاره ممن ينتهجون التحليل‬
     ‫بنية لغوية لا تمثل فقط انعكا ًسا للخارج‪ ،‬وأن‬                                   ‫الشعري والبنيوي؟‬
  ‫(مقاربة باطنية) ُيفهم منها تأويل لما استتِر خلف‬
  ‫هذه البنية المجردة من دلالات‪ ،‬وربما في تصريح‬          ‫هنا‪ ،‬يقدم طودوروف (في فصل ما وراء المدرسة)‬
 ‫طودوروف من أن هناك علاقة توجد بين الموقفين‬                 ‫بيا ًنا مه ًّما ِلا كان يتص ّوره حول تحليل العمل‬
 ‫السابقين وقوله بالشعرية‪ ،‬هو ما يعزز من تفسير‬
                                                       ‫الأدبي‪ ،‬بيا ًنا يزيد من أهمية كتاب (الأدب في خطر)‬
     ‫هاتيِن الكلمت ْي ِن (مجردة وباطنية)‪ .‬وإلا فلا بد‬     ‫في مشروع طودوروف النقدي‪ ،‬بل يمكن القول‬
  ‫من التساؤل‪ :‬إذا كانت الشعرية تنشغل باستنباط‬
‫القوانين التي ُيبنى عليها الخطاب الأدبي من داخله‬       ‫بأ ّن هذا الكتاب يمثّل توثي ًقا نقد ًّيا لآراء طودوروف‬
                                                        ‫ينبغي للقراء والباحثين الذين يخوضون غمار هذا‬
    ‫لا باعتبارها قوانين مفروضة عليه من الخارج‪،‬‬
  ‫فما الذي ُينظم حينئ ٍذ حركة هذه القوانين داخليًّا‪،‬‬                           ‫الحقل النقدي التنبه إليه‪.‬‬
                                                       ‫لكن قبل عرض هذا البيان‪ ،‬نعود قلي ًل إلى الوراء لما‬
    ‫ويوجه مسارها وعلاقاتها ببعضها البعض؟ ثم‬            ‫قاله طودوروف حول الشعرية‪ ،‬في كتاب خاص بها‬
 ‫أليست هذه القوانين نتاج لحظة إنسانية‪ ،‬هي التي‬          ‫عنونه بالشعرية‪ .‬في الفصل الأول من هذا الكتاب‪:‬‬
                                                        ‫تعريف الشعرية(*)‪ ،‬يقول‪“ :‬إنها تسعى إلى معرفة‬
    ‫حفزت الأديب للكتابة تعبي ًرا عن موقف ما؟ إذا‬
  ‫كانت الحال هذه‪ ،‬ألا يمكن القول بوجود قصدية‬              ‫القوانين العامة التي تنظم ولادة كل عمل‪ ،‬وإنها‬
                                                              ‫تبحث عن هذه القوانين داخل الأدب ذاته”‪.‬‬
       ‫مضمرة تتأسس عليها شعرية طودوروف؟‬
    ‫يبدو أن طودروف قد لاحظ أن قارئ كلماته لم‬           ‫القراءة الأولى لهذا المقطع تقول إن طودوروف ُيعلى‬
  ‫يستوعب ماهية تص ّوره النقدي السابق‪ ،‬فعمد في‬              ‫من شأن البنية النصية‪ ،‬وأنه لا شيء خارجها‪،‬‬
‫كتابه‪( :‬الأدب في خطر) إلى إزالة اللبس والغموض‪،‬‬
     ‫يقول حول المقصد الحقيقي من شعريته‪“ :‬في‬             ‫وأنه في هذا الشأن مثله مثل الشكلاني والبنيوي‪.‬‬
 ‫ذهني ‪-‬اليوم كما في الماضي‪ -‬أن المقاربة الداخلية‬       ‫لكن بربط هذا المقطع بالسياق الذي ورد فيه‪ ،‬يمكن‬
                                                        ‫الاقتراب من فكر طودوروف في هذه المسألة‪ ،‬فقد‬

                                                          ‫جاء هذا المقطع تاليًّا لنوعين من القراءة‪ :‬الأولى‪:‬‬
                                                             ‫القراءة التأويلية التي تسعى إلى بلوغ المعنى‪،‬‬
                                                           ‫مع الإيمان بأن موضوع الأدب يكون في ذاته‪،‬‬

                                                          ‫شريطة ا ّمحاء الذات‪ ،‬ونفي أي إسقاط خارجي‪.‬‬
                                                              ‫أما القراءة الأخرى (النفسية‪ ،‬والاجتماعية‪،‬‬

                                                             ‫والإثنولوجية المستمدة من الفلسفة أو تاريخ‬
                                                            ‫الأفكار)‪ ،‬فهي تنفي جميعها طابع الاستقلالية‬
                                                           ‫عن العمل الأدبي وتعتبره تجلِّيًا لقوانين توجد‬
                                                            ‫خارجه وتتصل بالنفسية أو المجتمع أو الفكر‬
                                                             ‫الإنساني‪ .‬في هذه الحالة يكون العمل الأدبي‬
                                                           ‫عبارة عن عملية فك للرموز الخارجية وترجمة‬

                                                                                                  ‫لها‪.‬‬
                                                             ‫هذا ِن الموقفا ِن المتعارضا ِن جعلا طودوروف‬
                                                          ‫يقول بالأدبية أو المقاربة الداخلية للعمل الأدبي‪،‬‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73