Page 131 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 131

‫حول العالم ‪1 2 9‬‬

‫كنا نفعله فقد تم تدريبنا على‬         ‫سوف تفهمه بالترجمة‬              ‫وضحكتها فيحسدها على‬
               ‫أ َّل نتحدث»‪.‬‬         ‫وبدونها‪ ،‬فيكمل باللغة‬         ‫الطاقة التي لا تمتلكها ابنته‬
                                                                 ‫التي تصغرها بأربعين عا ًما‪.‬‬
      ‫تستمع السيدة ويداها‬                   ‫الصينية قائ ًل‪:‬‬       ‫في هذا اليوم‪ ،‬ترتدي السيدة‬
‫مطويتان على قلبها‪ ،‬لم يجلس‬        ‫«أن نقابل بعضنا البعض‬
                                  ‫ونتحدث سو ًّيا‪ ،‬فلا بد أن‬                           ‫بلوزة‬
  ‫السيد شي بهذا القرب من‬           ‫ذلك استغرق وقتًا طوي ًل‬          ‫برتقالية فاقع لونها‪ ،‬عليها‬
   ‫امرأة في عمره منذ ُتوفيت‬     ‫من الدعوات الصادقة لنقابل‬           ‫رسومات لقرود أرجوانية‬
   ‫زوجته‪ ،‬حتى عندما كانت‬        ‫بعضنا هنا»‪ .‬تبتسم السيدة‬           ‫اللون جميعهم يتدحرجون‬
    ‫على قيد الحياة لم يتحدث‬      ‫ابتسامة تحمل الموافقة على‬       ‫ويبتسمون ابتسامة عريضة‪،‬‬
‫كثي ًرا هكذا معها‪ ،‬يشعر بثقل‬
                                                   ‫كلامه‪.‬‬            ‫ويعتلي رأسها شا ًل عليه‬
     ‫عينيه ويتخيل أنه سافر‬       ‫‪« -‬يوجد سبب لكل علاقة‪،‬‬              ‫النمط ذاته‪ ،‬إنها لاجئة و‬
     ‫نصف العالم لابنته لكي‬       ‫هذا ما تعنيه المقولة‪ ،‬الزوج‬     ‫لكنها سعيدة بلا شك‪ .‬يحاول‬
  ‫يعوضها عن كل المحادثات‬         ‫وزوجته‪ ،‬والآباء وأبنائهم‪،‬‬            ‫السيد شي استرجاع ما‬
   ‫التي بخل بها عليها عندما‬                                         ‫يعرفه عن إيران وتاريخها‬
      ‫كانت صغيرة‪ ،‬ليجدها‬               ‫والأصدقاء والأعداء‪،‬‬         ‫الحديث بمعرفته المحدودة‪،‬‬
    ‫لا تبالي بكلماته‪ ،‬ويتخيل‬    ‫والغرباء الذين نصطدم بهم‬         ‫إلا أن كل ما يمكنه استنتاجه‬
  ‫السيدة تلك الغريبة التي لا‬    ‫في الشارع‪ ،‬أن تضع رأسك‬               ‫هو أن السيدة محظوظة‪،‬‬
    ‫تعرف حتى لغته تسمعه‬                                               ‫وهو محظوظ أي ًضا على‬
     ‫بتمعن‪ ،‬يدلك السيد شي‬         ‫جنبًا إلى جنب على وسادة‬         ‫الرغم من كل عيوبه صغيرة‬
    ‫عينيه بإبهاميه‪ ،‬فرجل في‬       ‫بجوار من تحب‪ ،‬فإن ذلك‬           ‫كانت أو كبيرة‪ .‬يعتقد السيد‬
‫مثل سنه لا ينبغي أن ينغمس‬      ‫يستغرق ثلاثة آلاف عام من‬              ‫شي أنه لشيء عجيب أن‬
      ‫في تلك المشاعر المؤذية‪،‬‬     ‫الدعوات‪ ،‬فما الوقت الذي‬        ‫يكون هو والسيدة من عالمين‬
‫فيأخذ نف ًسا عمي ًقا‪ ،‬ويضحك‬    ‫يستغرقه ذلك الدعاء بالنسبة‬           ‫مختلفين بلغتين مختلفتين‬
                                 ‫لأب وابنته؟ ربما ألف عام‪،‬‬        ‫وتتاح لهما الفرصة ليجلسا‬
               ‫قلي ًل ويقول‪:‬‬                                       ‫ويتحدثا تحت ضوء شمس‬
 ‫«بالطبع يوجد سبب للعلاقة‬           ‫فمن المؤكد أن الناس لا‬            ‫الخريف‪ .‬عندما تتوقف‬
                                ‫ينتهى بهم الحال كأب وابنة‬            ‫السيدة عن الكلام‪ ،‬يقول‬
    ‫السيئة أي ًضا‪ ،‬فمن المؤكد‬  ‫عشوائيًّا‪ ،‬ولكن الابنة لا تعي‬     ‫السيد شي‪ :‬في الصين نقول‪:‬‬
  ‫أنني أدعو لألف عام لابنتي‬                                           ‫«شيو باي شاه كه تون‬
   ‫بقلب فاتر»‪ .‬تومئ السيدة‬        ‫ذلك‪ ،‬لا بد أنها تعتقد أنني‬
                               ‫مصدر إزعاج‪ ،‬فهي تتمنى لو‬                               ‫دچو»‪.‬‬
    ‫رأسها بهيبة‪ ،‬فهي تفهمه‬                                            ‫لكي تحصل على فرصة‬
‫وتعرفه لكنه لا يريد أن يثقل‬       ‫أصمت لأنها عرفتني هكذا‬             ‫عبور نهر مع شخص في‬
                                ‫دائ ًما‪ ،‬لم ت ِع أنني لم أتحدث‬         ‫نفس القارب‪ ،‬فإن ذلك‬
    ‫عليها بتعاسته السخيفة‪،‬‬       ‫كثي ًرا معها‪ ،‬ولا مع والدتها‬       ‫يستغرق ثلاثمائة عام من‬
       ‫يفرك كلتا يديه وكأنه‬                                         ‫الدعوات‪ ،‬يفكر السيد شي‬
                                  ‫لأنني كنت عا ِل صواريخ‬              ‫في شرح العبارة للسيدة‬
 ‫يتخلص من تراب الذكريات‪،‬‬        ‫حينها‪ ،‬كل شيء كان سر ًّيا‪،‬‬          ‫باللغة الإنجليزية‪ ،‬وعندما‬
      ‫يقول بأفضل إنجليزية‬      ‫كنا نعمل طيلة النهار‪ ،‬وعندما‬       ‫ه َّم بالشرح سأل نفسه‪« :‬ما‬
                    ‫يعرفها‪:‬‬                                      ‫الفارق بين اللغات؟» فالسيدة‬
                                  ‫يسدل الليل ستائره يأتي‬
 ‫«قصص قديمة‪ ،‬والقصص‬                ‫الحراس ليجمعوا دفاترنا‬
 ‫القديمة غالبًا ليست مثيرة»‪.‬‬      ‫ومسوداتنا‪ ،‬كنا نوقع على‬
                                ‫مجلدات الأرشيف وكان هذا‬
    ‫فترد السيدة‪« :‬وأنا أحب‬      ‫هو العمل اليومي‪ ،‬لم ُيسمح‬
‫القصص»‪ .‬وتبدأ في الحديث‪،‬‬        ‫لنا أب ًدا أن نخبر عائلاتنا بما‬
 ‫فيسمع السيد شي بينما هي‬
   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136