Page 135 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 135

‫حول العالم ‪1 3 3‬‬

   ‫هكذا من قبل أب ًدا‪ ،‬يحاول‬    ‫الأخيرة ليوضح كل الأكاذيب‬       ‫هذه أي ًضا كذبة‪ ،‬فأنت لم تكن‬
   ‫أن يتذكر الحواف الناعمة‬       ‫التي أخبرها إياها عن نفسه‪،‬‬     ‫أب ًدا عا ِل صواريخ‪ ،‬لقد علمت‬
  ‫والألوان الباهتة التي تعود‬      ‫فهو لم يكن عا ِل صواريخ‪،‬‬
  ‫عليها أكثر‪ ،‬ولكن كمريض‬                                            ‫وعلمت أمي‪ ،‬وكل الناس‬
    ‫تم إزالة الساد من عينيه‬          ‫لقد حصل على التدريب‪،‬‬                           ‫كذلك»‪.‬‬
 ‫يجد كل شيء حا ًّدا و برا ًقا‪،‬‬  ‫وكان كذلك لمدة ثلاث سنوات‬
    ‫مخي ًفا لكنه جذا ًبا‪ ،‬يخبر‬                                    ‫يحملق السيد شي في ابنته‬
    ‫السيدة‪« :‬أريد أن أخبرك‬          ‫من أصل ثمانية وثلاثين‬       ‫لفترة طويلة ثم يقول‪« :‬أنا لا‬
                                 ‫عا ًما عمل فيها للمعهد‪ ،‬يكرر‬
      ‫شيئا»‪ ،‬ووجهه يشرق‬          ‫السيد شي بينه وبين نفسه‬                    ‫أفهم ما تعنينه»‪.‬‬
‫بابتسامة متلهفة‪ ،‬يغير السيد‬     ‫أنه كان من الصعب لشاب أن‬         ‫‪« -‬ولكن تعرف يا أبي‪ ،‬أنت‬
                                 ‫يبقى هاد ًئا بخصوص عمله‪،‬‬       ‫لم تتحدث عما فعلته في عملك‬
     ‫شي مكانه على الأريكة‬         ‫فعا ِل صواريخ صغير كان‬
  ‫ويقول بالإنجليزية‪« :‬أنا لم‬                                        ‫هذا صحيح‪ ،‬ولكن أنا ًسا‬
  ‫أكن عا ِل صواريخ»‪ .‬تومئ‬         ‫هذا فخ ًرا ومج ًدا‪ ،‬أنت فقط‬          ‫آخرين تحدثوا عنك»‪.‬‬
  ‫السيدة رأسها بشدة‪ ،‬بينما‬       ‫حاولت أن تشارك حماستك‬
                                                                   ‫يحاول السيد شي أن يجد‬
   ‫السيد شي ينظر إليها ثم‬              ‫مع شخص آخر‪ ،‬ذلك‬            ‫كلمات يدافع بها عن نفسه‪،‬‬
          ‫يحيل نظره بعي ًدا‪.‬‬       ‫الشخص ‪-‬الذي كان يبلغ‬           ‫ولكن شفتيه ترتجفان دون‬
                                  ‫من العمر خمسة وعشرين‬
   ‫«أنا لم أكن عالم صواريخ‬                                                 ‫أن تصدر صو ًتا‪.‬‬
 ‫بسبب امرأة‪ ،‬الشيء الوحيد‬            ‫عا ًما منذ اثنين وأربعين‬   ‫تقول ابنته‪« :‬آسفة يا أبي‪ ،‬لم‬
                                  ‫عا ًما‪ -‬كان امرأ ًة تعمل على‬
     ‫الذي فعلناه أننا تحدثنا‬      ‫آلة التثقيب‪ .‬بالنسبة للسيد‬         ‫أقصد أن أجرحك أب ًدا»‪.‬‬
     ‫سو ًّيا‪ ،‬ستتخيلين أنه لا‬                                   ‫يأخذ السيد شي نف ًسا عمي ًقا‬
 ‫غبار على الحديث‪ ،‬ولكن لا‪،‬‬          ‫شي فالمثقبون ‪-‬كما كان‬        ‫محاو ًل الحفاظ على كرامته‪،‬‬
  ‫فالحديث بين رجل متزوج‬         ‫ُيط َلق عليهم حينها‪ -‬مهنة قد‬    ‫وإن لم يكن من الصعب عليه‬
  ‫وفتاة غير متزوجة لم يكن‬       ‫تم استبدالها منذ فترة طويلة‬       ‫أن يفعل ذلك في النهاية كما‬
   ‫مقبو ًل‪ ،‬هكذا كانت حياتنا‬     ‫بأجهزة الحاسوب المتطورة‪،‬‬
 ‫تعيسة حينها‪ ،‬نعم‪ ،‬تعيسة‪،‬‬                                           ‫اعتاد ‪-‬طوال حياته‪ -‬أن‬
 ‫هي الكلمة المناسبة وليست‬          ‫ولكن من كل الأشياء التي‬         ‫يكون هاد ًئا في المحن‪« :‬لم‬
‫كلمة مجنونة كما يستخدمها‬        ‫اختفت من حياته فإن أكثر ما‬        ‫تؤذيني كما قل ِت‪ ،‬فقد كن ِت‬
    ‫الشباب للحديث عن تلك‬         ‫يفتقده هو ذلك المثقب‪ .‬يقول‬      ‫تتحدثين فقط عن الحقيقة»‪.‬‬
 ‫الفترة‪ ،‬سوف نريد دائ ًما أن‬                                       ‫ينهي جملته هذه ثم يقف‪،‬‬
   ‫نتحدث حتى وإن لم يكن‬             ‫السيد شي بصوت عال‪:‬‬            ‫وقبل أن ينسحب إلى غرفة‬
  ‫الحديث جز ًءا من تدريبنا‪.‬‬      ‫«الاسم يلان»‪ ،‬وإذا بشخص‬            ‫النوم الخاصة بالضيوف‬
    ‫والحديث هو ذلك الشئ‬          ‫يحيي الاسم بتحية سعيدة‪،‬‬           ‫تقول له ابنته في هدوء من‬
  ‫المألوف‪ ،‬ولكن كيف أدمنه‬                                       ‫خلفه‪« :‬سأحجز لك الجولات‬
                                  ‫إنها السيدة تسير باتجاهه‬
                  ‫الناس؟»‪.‬‬      ‫ومعها سلتها المملوءة بأوراق‬                  ‫السياحية غ ًدا»‪.‬‬
‫(بدأ حديثهما من الاستراحة‬                                       ‫يجلس السيد شي في الحديقة‬
                                   ‫الخريف‪ ،‬تلتقط واحدة من‬
    ‫التي مدتها خمس دقائق‬            ‫تلك الأوراق وتسلمها إلي‬         ‫وينتظر أن يودع السيدة‪،‬‬
        ‫في المكتب‪ ،‬ثم جلسا‬                                       ‫فقد طلب من ابنته أن ترتب‬
                                     ‫السيد شي وهي تقول‪:‬‬         ‫له مغادرة سان فرانسيسكو‬
      ‫في الكافيتيريا‪ ،‬وتحدثا‬     ‫«جميلة»‪ ،‬يدرس السيد شي‬
      ‫طوال فترة الاستراحة‬       ‫الورقة من عروقها إلى أصغر‬              ‫بعد جولته في أمريكا‪،‬‬
                                                                ‫سيكون أمامه أسبوع قبل أن‬
                                    ‫فروعها والألوان المختلفة‬     ‫يغادر‪ ،‬ولكنه لديه الشجاعة‬
                                     ‫من البرتقالي والأصفر‪،‬‬       ‫أن يتحدث مع السيدة للمرة‬
                                    ‫لم يرالعالم بكل حذافيره‬
   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140