Page 139 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 139

‫‪137‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

        ‫أنثى وتحب الثلوج‬             ‫فمن هذا المستعار الذي‬       ‫الفردي عند فتحي عبد الله‪ ،‬و‬
  ‫وأما (إيمي) (عاصفة على‬        ‫صار بط ًل أسطور ًّيا انتصب‬       ‫في الوعي الجمعي عند الكون‬
                                                                  ‫المحيط بفتحي عبد الله محليًّا‬
     ‫باب إيمي) فهي سيدة‬           ‫بعد الطوفان‪ ،‬ليحملها بين‬
          ‫الشهوة الغجرية‪:‬‬        ‫ذراعيه؟ هل حملها منعا لها‬                        ‫وتاريخيًّا؟‬
                                ‫من الغرق أو سعيًا للانتشاء‬           ‫ولم يكن الكرز وحده هو‬
 ‫لو كان الأمر بيدي لأخذت‬        ‫والاستمتاع؟ وما طبيعة هذا‬         ‫الدال الغريب عن بيئة القرية‬
  ‫حبيبتي إلى مطعم مهجور‬                                            ‫في كتابة فتحي عبد الله‪ ،‬أو‬
                                                   ‫السرد؟‬             ‫عن بيئة الموروث الثقافي‬
                        ‫‪..‬‬         ‫لم يجدها في الحانة يوم‬           ‫والتراث الشعري العربي‪،‬‬
    ‫حتى أرى صدرها المليء‬                                          ‫ولكنه كان دا ًّل متضاف ًرا مع‬
                                                     ‫الأحد‬           ‫دوال أخرى ليست لغوية‬
                  ‫بالورود‬        ‫فخلع نظارته وأخذ يضحك‬
‫وقد تعطيني جمجمة وبعض‬                                                  ‫بل ثقافية بامتياز‪ ،‬مثل‬
                                                 ‫مع النادل‬          ‫الشخصيات المستعارة من‬
                    ‫عظام‬         ‫ربما تسافر إلى الإسكندرية‬          ‫ثقافات أخرى التي جعلها‬
 ‫وقد تقبض على رأسي بين‬                                            ‫فتحي رمو ًزا حققت له غاية‬
                                                      ‫غ ًدا‬
                   ‫فخذيها‬        ‫وصلتها رسالة من (كفافي)‬              ‫التمرد الذي يمثل رؤيته‬
‫وأنا أصرخ على الطيور التي‬      ‫يشكو من الشموع التي تؤلم‬           ‫للإنسان وللشعر‪ .‬على رأس‬
                                                                 ‫هذه الشخصيات (جينسبرج)‬
              ‫تأتي وتعود‬                           ‫أصابعه‬        ‫و(كفافي) و(إيمي) و(فرناندو‬
 ‫حتى تترك ساقيها المليئتين‬         ‫وينتظر الممرض الأخرس‬
                               ‫ليضع له زهرة عباد الشمس‬               ‫بيسوا)‪ .‬ففتحي إذن على‬
               ‫على ظهري‪.‬‬                                            ‫وعي باستعارة رموزه من‬
      ‫وينزل التوت الأبيض‬                                ‫‪..‬‬       ‫الثقافات الأخرى‪ ،‬وباستعارة‬
      ‫على سروالي المقطوع‪.‬‬          ‫فلم تملك دموعها في تلك‬            ‫الكرز وهو نبات من بيئة‬
 ‫وأما الدال الرابع (فرناندو‬
  ‫بعكازه المكسور) فالفتيان‬                         ‫اللحظة‬              ‫أخرى ليوظفه دلاليًّا في‬
    ‫سرقوا عكازه في وضح‬           ‫فأي الفتيان يتبعه الآن من‬       ‫سياقات سردية ويضفي عليه‬
    ‫النهار وهو كل على هذا‬
‫العكاز لكنه أسير آثار المتعة‬               ‫حجرة إلى أخرى‬            ‫سمة أنثوية تمتاز بالليونة‬
 ‫وأمارات العطر يبحث عنها‬          ‫ويذكر له أن أشجار الكرز‬             ‫والطراوة وحلاوة المذاق‬
     ‫ولا يفيق من سحرها‪:‬‬
                                         ‫أنثى وتحب الثلوج‬          ‫ونعومة الملمس ليطابق بينه‬
        ‫لأن عكازه مكسور‬          ‫والدال الثاني (كفافي) ليس‬         ‫وبين المرأة والأنوثة بشكل‬
 ‫أو سرقه الفتيان في وضح‬           ‫أسطور ًّيا ولا حيو ًّيا ولكنه‬
                                                                      ‫عام في الواقع الطبيعي‪،‬‬
                    ‫النهار‬          ‫شاك متألم من الشموع‬                   ‫والواقع الاجتماعي‪.‬‬
   ‫دائ ًما ما يقرأ تعويذته في‬       ‫التي تؤلم أصابعه‪ ،‬ومن‬
                                   ‫انقطاع التواصل الطبيعي‬           ‫ففي صدر سرديته الأولى‬
                 ‫الشوارع‬        ‫بينه وبين الممرض الأخرس‪،‬‬         ‫«زبدة بيضاء» خبر كأنه خبر‬
                        ‫‪..‬‬       ‫ومن افتقاره إلى زهرة عباد‬
                               ‫الشمس‪ .‬فالدال الأول مخلص‬            ‫تاريخي ينبئنا بما لا نعرف‬
   ‫فإذا رأى قم ًرا على نافذة‬    ‫حيوي فعال‪ ،‬والثاني سجين‬               ‫عما حدث بعد الطوفان‪،‬‬
   ‫وملاءة حمراء على أرض‬        ‫آلامه‪ ،‬ومفتقر إلى غيره مكتف‬                            ‫يقول‪:‬‬
                                   ‫بالخبر عن مغامرة المتعة‪:‬‬
                   ‫الغرفة‬        ‫فأي الفتيان يتبعه الآن من‬          ‫في زيارة (ألن جينسبرج)‬
   ‫ورائحة تملأ أنفه بالكرز‬                                       ‫الأولى لمن تبقوا من الطوفان‪.‬‬
                                           ‫حجرة إلى أخرى‬
        ‫لا يفيق من السحر‬          ‫ويذكر له أن أشجار الكرز‬                 ‫حملها بين ذراعيه‪.‬‬
     ‫إلا وفمه مملوء بالتوت‬
   ‫ويدخل ويخرج في نشوة‬
   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144