Page 143 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 143

‫‪141‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

        ‫وخلع قبعته السوداء‬      ‫بسرعة كما يأتي دون عناء‪.‬‬       ‫يات يعد مرجعية لفهم كل الجماعات الاجتماعية والثقافية اللاحقة‬
      ‫تبادلوا منديله الأبيض‬       ‫ونصه الذي يكتبه يصعب‬
                                  ‫تصنيفه لأنه نص جاء على‬                               ‫والمياه‪.‬‬
              ‫الذي وقع منه‬                                          ‫وإذا كان العالم الذي يدركه‬
       ‫أثناء نومهم في جواره‬     ‫غير هدى‪ ،‬أو كما يقول وليم‬            ‫أو يصوره فتحي عبد الله‪،‬‬
                                   ‫فوكنر جاء بعد أن احتج‬            ‫هو عالم الفطرة الأولى‪ ،‬فإن‬
          ‫وقد خلطوا زفيره‬                                         ‫لغته هي الصورة حينما كانت‬
      ‫بالعطور التي سرقوها‬        ‫على كل شيء في هذا العالم‬
‫واكتفوا أن يذبحوا خياله بين‬       ‫وكتبه صاحبه بعد أن قتل‬               ‫الكلمة صورة‪ ،‬والأسماء‬
                                 ‫كل أحبابه‪ .‬فهو نص غريب‬                 ‫صورة والحركة تعبير‬
                    ‫الممرات‬      ‫وكاتبه يقتل أبناءه أي يقتل‬
      ‫فقد تعثر أكثر من مرة‬     ‫نصوصه السابقة لأنها علامة‬           ‫بالصورة‪ .‬ومن ثم فإن الفن‬
 ‫عندما حاول اصطياد فراشة‬       ‫سابقة‪ ،‬وهو يقطع على نفسه‬                ‫في تلك الآونة هو التعبير‬
   ‫فرناندو التاريخي برؤيته‬      ‫كل أسباب العلامات بعد أن‬
       ‫الواسعة كسير عكازه‬        ‫اتخذ من جينسبرج وكفافي‬              ‫بالصورة دون الالتفات إلى‬
 ‫المكسور‪ ،‬عاجز عن اصطياد‬                                            ‫وضعيات اجتماعية أو قيود‬
   ‫فراشة يلهو به المهاجرون‬         ‫وإيمي وفرناندو وحبات‬
      ‫وهو مهاجر مثلهم‪ .‬ولا‬         ‫الكرز كل أسباب الوصل‬              ‫أخلاقية‪ ،‬أو انتباه إلى تابو‬
  ‫يحقق كل هذه الغايات التي‬        ‫والفصل‪ .‬وصل مع الذات‬             ‫أو محظور‪ .‬والصورة إشباع‬
    ‫يبتغيها فتحي عبد الله إلا‬      ‫حيث تكون وكيف تكون‪،‬‬
‫«قصيدة النثر» لأن «طبيعتها‬        ‫وفصل مع كل ما يغايرها‬              ‫لشهوة الحس‪ ،‬وإشارة إلى‬
 ‫تعلو على المباشرة وإن كانت‬       ‫أو يقيدها بقيد‪ .‬فقد رفض‬         ‫كل مواطن الفرح أو الحذر أو‬
   ‫تتقاطع مع كل ما هو حي‬       ‫هؤلاء القيد الاجتماعي والقيد‬       ‫الخوف الغريزي‪ .‬لذلك وجدنا‬
   ‫في المجتمع‪ .‬كما أن رؤيتها‬     ‫الفكري وقيد النوع ذك ًرا أو‬
    ‫وتكوينها يتناقض مع ما‬      ‫أنثى‪ ،‬والقيد القبلي في الأديان‬       ‫فتحي عبد الله يكتب الشعر‬
      ‫يمارس في المجتمع من‬          ‫وقيد السلطة في السياسة‬             ‫كما يعيش الإنسان الأول‬
   ‫عمليات نهج توحيد جميع‬          ‫والأسرة‪ .‬لذلك ترى النص‬               ‫في بيئته الأولى حيث كل‬
  ‫الفئات والطبقات المتناقضة‬       ‫الذي كتبه فتحي ابن وقته‬
  ‫لخلق مجتمع واحد منسجم‬        ‫موصو ًل بالآباء الأولين حيث‬         ‫شيء مدهش ومثير ومنعش‬
    ‫بالقوة والاضطهاد‪ .‬فهي‬         ‫منطق وحدة الطبيعة كلها‬              ‫وجذاب ومؤلم‪ ،‬لأنه ينفد‬
     ‫مع الجماعات الصغيرة‪،‬‬       ‫التي تتكلم لغة واحدة‪ .‬انظر‬
     ‫ومع تنوع المجتمع‪ ،‬ومع‬     ‫إلى رؤيته عن فرناندو بيسوا‪:‬‬
   ‫الإثنيات إن كانت حقيقية‪،‬‬     ‫لو كان فرناندو بيسوا مغنيًا‬
   ‫ومع جميع أشكال التعبير‬
‫بكل الوسائل‪ .‬كما أن نزوعها‬                 ‫على مسرح قديم‬
 ‫الفطري والموروث إلى ما هو‬        ‫وخلع ملابسه قطعة وراء‬
‫إنساني يحررها من العرقيات‬
   ‫والقطريات المتعصبة‪ .‬وفي‬                          ‫أخرى‬
   ‫ذلك عودة إلى روح الشعر‬               ‫لانتظره المهاجرون‬
‫الحقيقية‪ .‬فتحي عبدالله‪ /‬ضد‬
     ‫عسكرة الشعر‪ /‬ص‪10‬‬                      ‫على أول الشارع‬
                                  ‫وأخذوه إلى حانة مهجورة‬

                                       ‫ووضعوه على سرير‬
                                           ‫تنام عليه القطط‬

                                ‫وكلما تألم في صوت خفيض‬
   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148