Page 144 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 144

‫العـدد ‪29‬‬                              ‫‪142‬‬

                                ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬                       ‫د‪.‬محمد عليم‬

   ‫إضافيًّا‪ ،‬أهمها الاتكاء على‬     ‫لأول وهلة‪ ،‬يبدو نص‬                      ‫«يملأ فمي بالكرز» ‪..‬‬
‫توظيف الإشارات الثقافية(‪)2‬‬                                                      ‫شعرية الرؤية ومواربة النص‬
                                    ‫الشاعر “فتحي عبد الله”‬
    ‫ذات الشحنات الإيحائية‪،‬‬        ‫عصيًّا على التلقي والتأويل‪،‬‬
  ‫سواء الإشارات التي تشير‬          ‫ربما يرجع ذلك إلى علاقة‬

      ‫إلى أعلام من مثل (ألن‬         ‫الشاعر نفسه بآلية كتابة‬
 ‫جينسبيرج‪ ،‬فرناندو بيسو‪،‬‬           ‫ذلك النص‪ ،‬فهو لا يدخله‬
                                    ‫من بابه الواسع المألوف‪،‬‬
     ‫أوراق العشب‪ ..‬إلخ) أو‬      ‫بقدر ما يحوم حوله أو يحط‬
  ‫الأخرى النصية التي تمتلك‬        ‫عليه من أعلى‪ ،‬ولعل ذلك ما‬
  ‫رصي ًدا معرفيًّا مشتر ًكا في‬  ‫يشعرنا بفجوات مفهومية في‬
   ‫الذاكرة الجمعية للمتلقين‪،‬‬    ‫امتداد القراءة الأولى والثانية‬
   ‫ومنها (الحشائش‪ ،‬المائدة‪،‬‬      ‫وربما الثالثة‪ ،‬ولاستشعاره‬
 ‫زبدة‪ ،‬الخشخاش‪ ،‬الطوفان‪،‬‬          ‫غموض نصه؛ لجأ الشاعر‬
 ‫التوت الأبيض‪ ..‬إلخ)‪ ،‬ومما‬
                                       ‫إلى خلق بؤر تشكيلية‬
      ‫ضاعف من فاعلية تلك‬          ‫تقوم على التخييل المصغر‪،‬‬
 ‫الإشارات (الأعلام منها على‬        ‫وصو ًل إلى مشهدية عامة‬
  ‫وجه خاص) أنها جاءت في‬          ‫في دواوينه السابقة‪ ،‬لتتسع‬
‫سياق التناص‪ ،‬ولكنه لم يكن‬       ‫في ديوانه الأخير‪ ،‬وموضوع‬

   ‫تنا ًّصا مألو ًفا كما سنرى‪.‬‬        ‫هذه القراءة (يملأ فمي‬
       ‫ينحاز فتحي عبد الله‬          ‫بالكرز)(‪ )1‬بإضافة أطوار‬
                                  ‫درامية‪ ،‬تفاوتت بين همس‬
  ‫للشعراء الإنسانيين‪ ،‬ولكنه‬      ‫وصخب‪ ،‬ولأن نص الشاعر‬
  ‫عندما يأتي على ذكرهم في‬       ‫يستعصي‪ ،‬في عموم التجربة‪،‬‬
‫نصوصه على سبيل التناص؛‬           ‫على الامتداد المفهومي المعتاد‬
   ‫لا يكون إتيانه مألو ًفا كما‬  ‫من البداية حتى النهاية؛ فإن‬
   ‫هو حال دخوله إلى نصه‪،‬‬          ‫عملية التلقي تتطلب اتسا ًعا‬
                                    ‫مواز ًيا لتعاين الشاعر في‬
      ‫وإنما يتحقق ذلك عبر‬          ‫هبوطه العلوي على نصه‪،‬‬
 ‫التشبع بمقولاتهم وسيرهم‬        ‫تلك سمة بدأت واستقرت في‬
  ‫ومواقفهم وتجاربهم‪ ،‬لتتم‬          ‫تجربته‪ ،‬وليس ثمة مجال‬
  ‫بعد ذلك محاورتهم شع ًرا‪،‬‬          ‫لإغفالها في تل ٍق مسؤول‪.‬‬
‫فهو لا يتناص مع نصوصهم‬
                                         ‫(‪)1‬‬
   ‫المنجزة‪ ،‬وإنما يتناص مع‬
  ‫جوهر رسالاتهم الإنسانية‬        ‫في ديوانه الأخير (يملأ فمي‬
  ‫بالدرجة الأساس‪ ،‬يقول في‬            ‫بالكرز‪ ،)2021 -‬تنفتح‬

          ‫نص زبدة بيضاء‪:‬‬           ‫تجربة فتحي عبد الله على‬
 ‫في زيارة (ألن جينيسبيرج)‬           ‫عدد من الروافد الشعرية‬
 ‫الأولى لمن تب ّقوا من الطوفان‬
                                      ‫التي منحت نصه ثرا ًء‬
          ‫حملها بين ذراعيه‬
 ‫وبقهقهاته العالية سخر من‬

           ‫أطرافها القصيرة‬
‫ووضعها على الطاولة بجوار‬
   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149