Page 149 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 149

‫‪147‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫للعارضة‪ ،‬وتودد جينسبيرج‬              ‫مطيته إلى عالم متداخل‬    ‫وإنما رؤية بالمفهوم الأشمل‪،‬‬
‫الذي لم يلحظه أحد‪ ،‬على هذا‬              ‫من التخييل المتجاوز‬     ‫وبما يؤهلها لأن تكون كل‬
 ‫النحو يشكل فتحي عبد الله‬
 ‫مشاهده البينية‪ ،‬فيما يشبه‬          ‫نمطية الصورة المحدودة‬     ‫شيء في النص‪ ،‬عندها تتأخر‬
                                    ‫إلى التخييل المشهدي ذي‬     ‫اللغة طواعية لتفسح للرؤية‬
  ‫التعويض عن لغته العادية‪،‬‬         ‫الطبيعة الحدثية المتحركة‪،‬‬
  ‫ومن ثم يحقق ما يمكن أن‬           ‫لننظر المقطع السادس من‬        ‫الصدارة وتحل في مرتبة‬
                                   ‫المقاطع السابقة‪ ،‬سنلاحظ‬                         ‫ثانية‪.‬‬
      ‫نعتبره تواز ًنا مقبو ًل‪.‬‬    ‫عادية اللغة الشعرية‪ ،‬وعلى‬
 ‫لكل ما سبق وغيره‪ ،‬يمكننا‬            ‫الرغم من ذلك؛ استطاع‬      ‫على الرغم من غموض نص‬
                                   ‫الشاعر أن يمنحنا مشه ًدا‬   ‫فتحي إذا أجرينا عليه القراءة‬
      ‫أن نرى الشاعر فتحي‬          ‫صغي ًرا ضمن مشهد أكبر‪،‬‬
   ‫عبد الله واح ًدا من شعراء‬     ‫فلدينا ثلاث شخصيات على‬        ‫النمطية‪ ،‬فسنلاحظ أن اللغة‬
 ‫قصيدة النثر القليلين الذين‬       ‫قدر كبير من التباين‪ :‬نادل‬       ‫في تواليها المنطقي ليست‬
 ‫انفردوا بملامح خاصة ج ًّدا‬
 ‫في تجاربهم‪ ،‬بحيث يصعب‬               ‫انتهازي‪ ،‬عارضة أزياء‬       ‫هي مصدر الغموض‪ ،‬لأنها‬
   ‫تشبيهه بأ ٍّى ممن سبقوه‬        ‫وحيدة يتحرش بها النادل‪،‬‬      ‫لغة أقرب إلى العادية‪ ،‬تؤدي‬
  ‫أو عاصروه‪ ،‬أما التحولات‬         ‫جينسبيرج في عزلته يتودد‬
‫الكبرى المفترض أن تكون قد‬          ‫إلى العارضة‪ ،‬والثلاثة من‬        ‫وظائف محددة رسمها‬
‫شهدتها تلك التجربة؛ فأغلب‬                                     ‫الشاعر‪ ،‬ولكن الغموض يأتي‬
‫الظن أنها ستظل خلافية بين‬           ‫عوالم متباينة لا يجمعهم‬
 ‫المتعاطين معها‪ ،‬ممن أرادوا‬         ‫سوى المكان‪ ،‬أما الحدث‬        ‫من توالى الجمل الشعرية‬
   ‫أن يقولوا فيها قو ًل جادًّا‬  ‫الرئيس في المشهد فكان بفعل‬          ‫دون محصلة مفهومية‬
                                 ‫النادل المتحرش‪ ،‬وجاء الأثر‬
                                ‫مزدوجا في الرفض الضمني‬            ‫منسجمة في الظاهر‪ ،‬لأن‬
                                                               ‫الشاعر تقوده رؤاه الكثيفة‬
                                                                ‫المتداخلة ربما إلى ما يشبه‬
                                                              ‫السقوط من أعلى قف ًزا ولعبًا‪.‬‬

                                                                   ‫يبقى للغة الشعرية عند‬
                                                                   ‫فتحي دور مهم‪ ،‬كونها‬

                                                                         ‫الهوامش‪:‬‬

                    ‫‪ -1‬فتحي عبد الله‪ ،‬يملأ فمي بالكرز‪ ،‬ط‪ ،2021 ،1‬دار الأدهم للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -2‬الإشارة الثقافية‪ :‬مصطلح مدمج لمصطلحين منفردين في الأصل‪ ،‬فالإشارة في المنظور السيميائي تنسحب‬

     ‫على كل ما يشير إلى دلالة‪ ،‬سواء كانت أعلا ًما‪ ،‬أو صو ًرا أو إيماءات أو أشياء‪ ،‬أما مصطلح الثقافة‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من صعوبة تحديد مفهوم جامع له؛ فأقصد به مجموعة الأعراف التي اكتسبت صفة المسلمات المعرفية‬

  ‫في مجتمع ما‪ ،‬ويجدر الذكر هنا أن مصطلح (الإشارة الثقافية) سبق واستعمله الباحث «أيمن بكر» في بعده‬
  ‫الإعلامي خصو ًصا‪ ،‬وطبقه على نصوص سردية حديثة في كتابه‪« :‬نحو تحليل ثقافي للأدب»‪ ،‬ص ‪،63 -51‬‬

                                                   ‫ط‪ ،2013 ،1‬مسعى للنشر والتوزيع‪ ،‬المنامة‪ ،‬البحرين‪.‬‬
    ‫‪ -3‬سعد مصلوح‪ ،‬في البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية‪ -‬آفاق جديدة‪ ،‬ص‪ ،238‬ط‪ ،2003 ،1‬مجلس‬

                                                                ‫النشر العلمي‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬الكويت‪.‬‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154