Page 151 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 151

‫الملف الثقـافي ‪1 4 9‬‬

    ‫أفرا ًدا‪ ،‬منته ًكا الصبغة‬    ‫تلك المسافات الشعرية من‬             ‫بـ»أركيولوجيا اللغة»‪،‬‬
      ‫الجماعية التي نشأت‬          ‫خلال ثلاث بنيات رئيسة‬            ‫فهيدجر لا يتفلسف فقط‬
      ‫مع جيل السبعينيات‬          ‫وهي الشعري‪ ،‬والحقيقي‪،‬‬            ‫باللغة‪ ،‬بل يتفلسف فيها‪،‬‬
    ‫(إضاءة‪ -77‬أصوات)‪،‬‬
  ‫صان ًعا أصواته الحقيقية‬           ‫والآخر‪ ،‬فتمثل كل بنية‬             ‫ومن خلالها‪ ،‬وكأنها‬
      ‫مبتع ًدا عن الشعارات‬             ‫من ًحى ثقافيًّا بامتياز‬        ‫تضم كنو ًزا دلالية لا‬
  ‫الهوائية‪ ،‬ليخرج لنا جيل‬                                         ‫تنفذ‪ ،‬فيعامل اللغة عمو ًما‬
 ‫الثمانينيات الشعراء أمثال‬       ‫يركض الشاعر من خلالها‬               ‫بقدسية وإجلال‪ ،‬فهي‬
   ‫(فتحي عبد الله‪ ،‬محمود‬              ‫لإعادة تشكيل الرؤية‬          ‫مكمن إنسانية الإنسان‪،‬‬
    ‫قرني‪ ،‬سمير درويش‪،‬‬                                             ‫وهي مسكنه وموطنه»(‪.)1‬‬
  ‫فاطمة قنديل‪ ،‬عاطف عبد‬         ‫والكشف عن ملامح الهوية‬              ‫ومن ثم فقد انطلق ُت في‬
 ‫العزيز وغادة نبيل‪ ..‬إلخ)‪.‬‬      ‫المطموسة‪ ،‬فنلاحظ أن بنية‬             ‫هذه المقالة من مفهوم‬
 ‫طرح فتحي عبد الله عبر‬                                                 ‫هيدجر عن الحقيقي‬
    ‫ثلاثين عا ًما من الشعر‬         ‫الشعري تتجلى في كسر‬            ‫والشعري‪ ،‬وكيف يصنع‬
    ‫روحه في قصيدة النثر‬           ‫الخوف المجازي واختراق‬            ‫الشاعر مسافات بينهما‪،‬‬
 ‫المصرية‪ ،‬فهو أيقونة هذه‬           ‫بيوت الغائبين عن المتن‪،‬‬       ‫ثم سرعان ما ينسف هذه‬
‫القصيدة‪ ،‬وأكثر المخلصين‬           ‫للاحتفاء بصورة الهامش‬         ‫المسافات ليتماهى الحقيقي‬
‫للمشروع الحداثي الطليعي‬           ‫المحرك للعالم‪ ،‬كما ترصد‬           ‫في الشعري «فالحقيقي‬
‫النهضوي في حركة الشعر‬           ‫بنية الحقيقي‪ /‬الحقيقة تلك‬         ‫سواء كان شيئًا أو حك ًما‪،‬‬
      ‫العربي‪ .‬كان عبد الله‬                                         ‫هو ما يتوافق ويتطابق‪،‬‬
    ‫شاع ًرا‪ ،‬ومثق ًفا عضو ًّيا‬      ‫الصورة النقية الواقعية‬       ‫الحقيقي‪ ،‬والحقيقة يعنيان‬
    ‫يشارك بروحه وحياته‬          ‫التي يحال الشاعر أن يبني‬         ‫هنا التوافق‪ ،‬وذلك بطريقة‬
    ‫مداف ًعا عن رؤاه الفنية‬                                      ‫مزدوجة‪ :‬أو ًل كتطابق بين‬
     ‫والفكرية في القصيدة‬          ‫من خلالها صورة الواقع‬          ‫الشيء وما نتصوره عنه‪،‬‬
   ‫الشعرية والواقع الثقافي‬      ‫من جهة والأشياء الصغيرة‬         ‫ثم كتطابق بين ما يدل عليه‬
                                                                   ‫الملفوظ وبين الشيء»(‪.)2‬‬
                 ‫المصري‪.‬‬           ‫من جهة أخرى‪ ،‬ليتشكل‬              ‫وقد تجلت المسافة بين‬
‫قدم الشاعر فتحي عبد الله‬         ‫عنهما البناء الثالث‪ ،‬وأعني‬          ‫الشعري والحقيقي في‬
‫الكثير من الأعمال الشعرية‬                                          ‫ديوان يملأ فمي بالكرز‬
                                   ‫به الآخر الذي يستدعيه‬            ‫للشاعر فتحي عبد الله‪.‬‬
      ‫المهمة بد ًءا من حقبة‬          ‫الشاعر فتحي عبد الله‬             ‫لأن هذا الديوان يمثل‬
  ‫الثمانينيات وحتى لحظة‬          ‫محاو ًرا له ومقلبًا لحيثيات‬       ‫لي النص‪ /‬الحقيقة التي‬
                                    ‫وجوده من خلال رؤى‬               ‫طرحها عبد الله قبل أن‬
    ‫رحيله‪ ،‬فقد أصدر عبد‬             ‫محايثة‪ ،‬تقرأ النص من‬           ‫يرحل عن الحياة‪ ،‬تار ًكا‬
   ‫الله العديد من الدواوين‬       ‫الداخل‪ ،‬وكأنه عالم منفرد‬            ‫لنا هذا النص الشعري‬
    ‫الشعرية التي تحفر في‬         ‫بنفسه مستغنيًا عن العالم‬            ‫الصاخب‪ ،‬قبل أن يراه‬
   ‫شعرية القصيدة النثرية‬             ‫الخارجي الذي أنهكته‬         ‫‪-‬عبد الله‪ -‬متجس ًدا بيننا‪،‬‬
‫ومنها «راعي المياه» ‪،1993‬‬       ‫الأيديولوجيات وصراعاتها‬           ‫لينسج بناية عالية ترصد‬
‫و»سعادة متأخرة» ‪،1998‬‬                                                  ‫تفاصيل العالم دون‬
                                                ‫المتناقضة‪.‬‬      ‫طمأنينة‪ ،‬فتطل في قصائده‬
      ‫و»موسيقيون لأدوار‬
   ‫صغيرة» ‪ ،2000‬و»أثر‬           ‫الشاعر فتحي عبد الله‬
 ‫البكاء» ‪« ،2004‬الرسائل‬
                                    ‫الشاعر فتحي عبد الله‬
                                     ‫(‪ )2021 -1954‬أحد‬
                                   ‫شعراء جيل الثمانينيات‬
                                  ‫الشعري في مصر والعالم‬
                                   ‫العربي‪ ،‬ليقف هذا الجيل‬
   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156