Page 156 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 156

‫وقد تأنس لضحكاتي على‬             ‫اتكأ النص الشعري عند فتحي عبد الله‬
                     ‫المقهى‬       ‫على استدعاء الآخر بوصفه راف ًدا شعر ًّيا‬
                                    ‫لاف ًتا‪ ،‬يحاول من خلاله أن يطرح صورة‬
       ‫أو تذهب وحدها إلى‬          ‫الآخر في مقابل الأنا‪ /‬الذات‪ ،‬وقد يتجلى‬
           ‫صوامع الشعير‬          ‫حضور الذات من خلال استعادة الآخر في‬
                                ‫قلب النص الشعري‪ ،‬لينتج عن ذلك (الآخر)‬
         ‫وقد تسبق الطيور‬          ‫بنى شعرية ذات أنسجة متداخلة يقوم‬
  ‫إلى الفراش تحت الشجرة‬            ‫عليها النص الشعري في شكله الكلي‬
  ‫فمن يا ترى يضع ذراعها‬
                                     ‫المتمرد الذي حاول أن‬           ‫ووضعها على الطاولة‬
    ‫على أول الوسادة؟»(‪.)14‬‬       ‫يطرح أفكاره محط ًما قيود‬     ‫بجوار (أوراق العشب)»(‪.)12‬‬
‫يتحدث النص الشعري عن‬               ‫المجتمع الأمريكي‪ ،‬متغلبًا‬
                                                               ‫يعتبر ألن جينيسبرج ‪-‬في‬
  ‫صورة الآخر المحبط الذي‬            ‫على عاداته وتقاليده من‬     ‫أربعينيات القرن الماضي‪،-‬‬
 ‫يحتاج إلى مشاركة الأنا في‬      ‫خلال الحديث عن إحباطات‬
‫تحقيق الطمأنينة الاجتماعية‬                                         ‫أ ًبا للحركة الهيبيية في‬
                                   ‫وعذابات الإنسانية حول‬      ‫الولايات المتحدة الأمريكية‪،‬‬
   ‫التي يبحث‪ /‬تبحث عنها‬              ‫العالم‪ ،‬فوجدت دعوته‬       ‫وهو شاعر معروف قد بدأ‬
        ‫في مجتمع لا يعرف‬                                      ‫حركته هذه في كتاباته التي‬
                                  ‫حضو ًرا لافتًا لدى شعراء‬
      ‫ولا يعترف بالمشاركة‬              ‫العالم الذين يحملون‬       ‫كانت تعبر عن إحباطات‬
  ‫الاجتماعية في بناء الحياة‪،‬‬          ‫الطموح والألم نفسه‪.‬‬      ‫العالم والتي أثرت بدورها‬
 ‫بل يتجه الأفراد في تشكيل‬            ‫كما يأتي صوت والت‬
‫أنواتهم بصورة منعزلة عن‬                                          ‫عليه‪ ،‬وبعد انتشار آرائه‬
 ‫الآخر‪ .‬حيث يخلق الشاعر‬              ‫ويتمان من خلال ذكر‬           ‫اتضح لكثير من الناس‬
‫علاقات شعرية مكتنزة بين‬              ‫ديوانه الشعري أوراق‬           ‫أن لديهم نفس النظرة‬
 ‫الواقعي والخيالي‪ ،‬فتصبح‬          ‫العشب‪ ،‬فيطرح رؤية ألن‬           ‫التي لديه وكان ذلك في‬
   ‫الذات الشاعرة كائنًا قل ًقا‬       ‫جينيسبرج إزاء أعمال‬
                                ‫ويتمان ساخ ًرا من أحلامها‬            ‫الأربعينيات‪ .‬وخلال‬
      ‫بالمعنى النفسي‪ ،‬حيث‬                                      ‫الخمسينيات كانت المقاهي‬
  ‫تسابق الطيور والأشجار‪،‬‬               ‫ورومانسيتها الفجة‪،‬‬      ‫ونوادي الجاز مكان تجمع‬
                                     ‫التي تتحدث عن أحلام‬      ‫لهؤلاء الناس‪ ،‬لكي يناقشوا‬
      ‫والوسائد المحبطة كي‬       ‫الأمريكيين في القرن التاسع‬
   ‫تنتصر على الموت نفسه‪،‬‬        ‫عشر‪ .‬ويقول فتحي عبد الله‬           ‫رأيهم وشعورهم إزاء‬
   ‫فالنص الشعري يتحدث‬                                             ‫ما يجري في الحياة وفي‬
  ‫أي ًضا عن أنثى مهزومة أو‬                   ‫في مقطع آخر‪:‬‬        ‫العالم ككل»(‪ .)13‬ويلاحظ‬
 ‫حقيقة منزوية تحت أدراج‬            ‫«أسمع خشخشة أقدامها‬          ‫أن الشاعر فتحي عبد الله‬
   ‫الحياة لا تملك القوة كي‬                                        ‫يعتمد في بناء القصيدة‬
‫تواصل التمرد والاختلاف‪،‬‬                          ‫على السلم‬     ‫على استدعاء الآخر المتمثل‬
‫بل إن الحقيقة التي يطرحها‬               ‫وشهقاتها المقطوعة‬       ‫في كلمات ألن جينسبيرج‬
     ‫الشاعر تصبح الجوهر‬
     ‫الخفي الذي يبحث عنه‬                   ‫لا بد أنها تغادر‬
  ‫المتلقي أي ًضا داخل النص‪.‬‬
 ‫ويقول الشاعر متحد ًثا على‬

             ‫لسان (إيمي)‪:‬‬
       ‫«وتقول‪ :‬لا حبيب لي‬
      ‫إلا من يراني في المياه‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161