Page 152 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 152

‫العـدد ‪29‬‬                            ‫‪150‬‬

                             ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬                           ‫عادة لا تذكر الموتى»‬
                                                           ‫‪ ،2008‬ثم ديوانه السادس‬
     ‫وحركاتهم وإيماءاتهم‬        ‫الله التي تبكي كل مساء‬
       ‫المختلفة داخل نسيج‬    ‫حزين‪ ،‬وقد تكشف عناوين‬           ‫الأخير بعنوان «يملأ فمي‬
‫الخطاب الشعري عند فتحي‬                                          ‫بالكرز» ‪ ،2021‬صدر‬
     ‫عبد الله في «يملأ فمي‬      ‫القصائد عن هذه الروح‪،‬‬
‫بالكرز»‪ .‬وفي ظني أي ًضا أن‬       ‫ومنها على سبيل المثال‪:‬‬     ‫بعد رحيله عن دار الأدهم‬
 ‫صورة الآخر عند الشاعر‪،‬‬          ‫(زبدة بيضاء‪ -‬عاصفة‬          ‫بالقاهرة‪ .‬وعلى الرغم من‬
  ‫لا تقتصر على الشخوص‬            ‫على باب (إيمي)‪ -‬يأتي‬      ‫مجموعات عبد الله الشعرية‬
‫والأعمال‪ ،‬والأفعال فحسب‪،‬‬           ‫لها طير أسود‪ -‬إيقاع‬
      ‫بقدر ارتكاز القصيدة‬       ‫خفيف‪ -‬فرناندو بعكازه‬            ‫القليلة نسبيًّا من حيث‬
‫النثرية على استدعاء المكان‪،‬‬  ‫المكسور‪ -‬الصائد الأبيض‪-‬‬          ‫عددها‪ ،‬فإنها تمثل حلقة‬
‫والزمان والأشياء الشعرية‬     ‫طائر على السرير‪ -‬الساحر‬         ‫مهمة في مسيرة القصيدة‬
  ‫التي يتحدث عنها الشاعر‬        ‫الذي قطع ساقه من أجل‬        ‫النثرية في مصر‪ ،‬فهو أحد‬
    ‫في القصيدة‪ .‬حيث يبدو‬        ‫الذهب‪ -‬روح موحشة‪-‬‬          ‫الآباء النثريين الذين ساروا‬
‫«الآخر في أبسط صوره هو‬          ‫قلادة بيضاء‪ -‬يملأ فمي‬      ‫عكس التيارات التي ارتكنت‬
   ‫مثيل أو نقيض الذات أو‬         ‫بالكرز‪ -‬صورة بيضاء‬
  ‫الأنا‪ ،‬وقد ساد كمصطلح‬       ‫وسوداء‪ -‬سجادة حمراء‪-‬‬              ‫إلى السائد في مشروع‬
‫في دراسات الخطاب‪ ،‬سواء‬       ‫عصاته التي تخطف الطير‪-‬‬             ‫قصيدة النثر‪ ،‬فقد كان‬
 ‫الاستعماري (الكولونيالي)‬     ‫العين الراعية‪ -‬قمران على‬         ‫متأم ًل لحياة النصوص‬
‫أو ما بعد الاستعماري وكل‬                                     ‫الشعرية من حوله ومدى‬
 ‫ما يستثمر أطروحاتها مثل‬                      ‫رأسي‪.)..‬‬         ‫أثرها الفاعل في تحريك‬
  ‫النقد النسوي والدراسات‬                                         ‫مياه الواقع المشحون‬
   ‫الثقافية والاستشراق»(‪)3‬‬       ‫صورة الآخر‬                      ‫بالفوضى والغموض‬
     ‫وقد شاع المصطلح في‬                                          ‫والبحث عن المجهول‪.‬‬
‫الفلسفة الفرنسية المعاصرة‬        ‫اتكأ النص الشعري عند‬
      ‫خاصة عند جان بول‬       ‫فتحي عبد الله على استدعاء‬       ‫يملأ فمي بالكرز‬
    ‫سارتر‪ ،‬وميشيل فوكو‪،‬‬      ‫الآخر بوصفه راف ًدا شعر ًّيا‬
    ‫وجاك لاكان»(‪« )4‬وتأتي‬                                       ‫جاء ديوان «يملأ فمي‬
    ‫أهمية الآخر في الفلسفة‬       ‫لافتًا‪ ،‬يحاول من خلاله‬       ‫بالكرز» في مجموعة من‬
      ‫السارترية الوجودية‪،‬‬        ‫أن يطرح صورة الآخر‬           ‫القصائد النثرية الطويلة‬
   ‫وفي علم النفس اللاكاني‬         ‫في مقابل الأنا‪ /‬الذات‪،‬‬     ‫التي أطلقت عليها قصائد‬
    ‫من جوهريته الأساسية‬         ‫وقد يتجلى حضور الذات‬         ‫الأركيولوجيا‪ ،‬بمعنى أنها‬
   ‫في تكوين الذات وتحديد‬        ‫من خلال استعادة الآخر‬        ‫قصائد تحفر في اللغة من‬
 ‫الهوية‪ ،‬وكذلك من إسهامه‬         ‫في قلب النص الشعري‪،‬‬       ‫جهة‪ ،‬وفي الذات والآخر من‬
‫في تأسيس وتوجيه المنطلق‬      ‫لينتج عن ذلك (الآخر) بنى‬        ‫جهة أخرى‪ ،‬فهي تكشف‬
 ‫الذاتي الشخصي والقومي‬       ‫شعرية ذات أنسجة متداخلة‬        ‫عن مسيرة البراءة وطبيعة‬
  ‫والثقافي‪ ،‬فالآخر بالنسبة‬    ‫يقوم عليها النص الشعري‬       ‫الحياة‪ ،‬وعلاقة الشاعر بكل‬
   ‫إلى سارتر‪ ،‬شأنه في ذلك‬        ‫في شكله الكلي‪ .‬ستطرح‬         ‫ذلك الشتات في البراري‬
    ‫شأن جاك لاكان‪ ،‬عامل‬          ‫هذه الدراسة من خلال‬
   ‫فاعل في تكوين الذات‪ ،‬إذ‬       ‫المقاربة الثقافية النزوع‬       ‫والحقول‪ ،‬مرتك ًزا على‬
                                                              ‫استعادة التاريخ المنسي‬
                                   ‫الشعري إلى استدعاء‬       ‫للقرى والحواديت الشعبية‬
                                    ‫الآخر‪ /‬الآخرين من‬           ‫والأساطير ومخلوقات‬
                               ‫خلال أفعالهم وأصواتهم‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157