Page 162 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 162

‫العـدد ‪29‬‬                              ‫‪160‬‬

                                ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬                                      ‫بال َخ َرس(‪.)15‬‬
                                                                 ‫استبدل شعراء قصيدة النثر‬
‫الفريدة التي لم تكسر سردية‬      ‫فيه بجلاء تلك النزعة الكونية‬
    ‫المشهد بل جعلته صاد ًقا‬          ‫التي يمكن تقسيمها إلى‪:‬‬          ‫الإيقاع بالوزن‪ ،‬وهم قد‬
                                                                ‫أضافوا عناصر جديدة أ ْث َرت‬
‫تما ًما‪ ،‬جعلته يع ّج بالموسيقى‬   ‫‪ -١‬الحياة في المدينة‪ :‬وتظهر‬
   ‫الرائعة التي نسمع رنينها‬             ‫في مفردات الأمصال‬         ‫قصيدتهم وجعلتها تستقي‬
                                         ‫والممرضة والنظارة‬            ‫من الشعر العالمي بغير‬
‫الهامس المنساب‪ ،‬ولا تزعجنا‬
               ‫ض ّجتها قط‪.‬‬       ‫والجوارب والأطباء والأوبرا‬       ‫حرج‪ ،‬فحتى الشعراء الذين‬
                                ‫والجامعة والمذياع والحجرات‬         ‫يقرأون الشعر المترجم إلى‬
          ‫وفي ديوانه الثالث‬      ‫والهاتف والشارع والقاطرة‬        ‫العربية مثل فتحي عبد الله‪،‬‬
         ‫«موسيقيون لأدوار‬                                          ‫أصبح أمامهم فرصة لكي‬
       ‫صغيرة» ظلت مفردة‬                 ‫والسلم والرسامون‪.‬‬          ‫يتجاوزوا التعريف القديم‬
    ‫الفلاحين مذكورة ومعها‬       ‫‪ -٢‬الحياة في القرية‪ :‬وتظهر‬        ‫للشعر عند قدامة بن جعفر‬
  ‫الخيول والقوارب والثيران‬      ‫في مفردات الحملان والحمير‬       ‫ونقاد العرب‪ ،‬تجاوزوا الوزن‬
‫والقراصنة وبنات آوي والأم‬        ‫والطاحونة والفخار والبغال‬      ‫والقافية ورنينهما الموسيقي‪،‬‬
   ‫والخراف ومزامير داوود‬                                         ‫لكن يبدو أن بعض الشعراء‬
   ‫والمؤذن والكتّان والكعبة‪.‬‬      ‫والشعير والأبقار وال ِحرام‬        ‫ظن أن هذا الشعر لم يعد‬
      ‫لكن معج ًما مغاي ًرا أخذ‬  ‫وال ُخوص والحصاد والأغنام‬        ‫محتا ًجا لأية موسيقى‪ ،‬وبما‬
 ‫يصعد ويتطاول على حساب‬                                            ‫أنه كذلك فقد يصبح الشعر‬
‫المعجم القديم للشاعر فكثرت‬                      ‫والح ّدادين‪.‬‬
  ‫ألفاظ‪ :‬البوهيميون والعراة‬        ‫‪ -٣‬الحياة الب ّرية‪ :‬وتظهر‬          ‫دعوة لمخاصمة الثقافة‬
   ‫والعاريات (صفات لرجال‬         ‫في مفردات ال ُبوص والكلاب‬      ‫العربية كلية‪ ،‬والثقافة العربية‬
‫وفتيات وصيادين وع ّوادين)‬         ‫والتماسيح والذئاب والنمل‬
    ‫كذلك اللوطيون والخلعاء‬                                          ‫لا تستجدي ولا تتسول‪،‬‬
‫والجثث والمص ّحات والظهور‬                   ‫والفي َلة والثعلب‪.‬‬      ‫إنها في الشعر وفي الأدب‬
                                   ‫‪ -٤‬الحياة الأبدية‪ :‬وتظهر‬         ‫عامة هي اللات والعزى‪،‬‬
                ‫والعاهرات‪.‬‬       ‫في مفردات البحيرة والرعاة‬          ‫لا يمكن مخاصمتها‪ ،‬ولا‬
      ‫لقد ظل معجم الأزهار‬         ‫والمقبرة والسماء والملائكة‬     ‫يجوز الإزدراء بها‪ ،‬لا يمكن‬
  ‫والورود البيضاء والحمراء‬                                        ‫أن تصبح القصيدة العربية‬
   ‫ملاز ًما للشاعر فتحي عبد‬           ‫والكلام والبئر والجثة‪.‬‬    ‫«أغنية أجنبية» على هذا النحو‬
   ‫الله لا يفارقه‪ ،‬ففي ديوان‬        ‫كانت شعرية فتحي عبد‬          ‫الذي نقرؤه في ديوان «يملأ‬
‫«موسيقيون لأدوار صغيرة»‬           ‫الله في ديوان «راعي المياه»‬
                                    ‫متفردة لأنها جمعت بين‬                     ‫فمي بالكرز»‪.‬‬
                     ‫يكتب‪:‬‬          ‫الأرضي والسماوي‪ ،‬بين‬         ‫كان فتحي عبد الله قد امتلك‬
             ‫«رجال طيبون‬        ‫الملموس والمتخيل‪ ،‬على النحو‬
     ‫يتركون ورو ًدا وأزها ًرا‬                                       ‫صوته الخاص فع ًل حين‬
                                                     ‫التالي‪:‬‬      ‫نشر أول ديوان له بعنوان‬
                ‫على كل باب‬               ‫«في شارع الجامعة‬         ‫«راعي المياه»(‪ .)16‬الذي كتبه‬
        ‫ولأنهم يخجلون من‬                                          ‫بين عامي ‪ ١٩٩١‬و‪١٩٩٢‬م‪،‬‬
                                               ‫غيم ٌة وحيدة‬
                  ‫أصابعهم‬                    ‫أُد ّربها كل يوم‬        ‫ففي ذلك الديوان تظهر‬
                    ‫الرفيعة‬                                     ‫نزعة كونية في الصور الفنية‬
                                               ‫على الطيران‬       ‫للشاعر‪ ،‬ولاسيما الاستعارة‬
‫يص ّفرون لحبيبتي التي تعب ُر‬                    ‫فإذا اكتمل ْت‬   ‫المتف ّردة التي أمسك بها‪ ،‬وأما‬
                ‫الجسر»(‪.)18‬‬         ‫وضع ُتها في جواري»(‪.)17‬‬       ‫معجم الشاعر فقد وضح ْت‬
                                 ‫نقول عن شعرية هذا المقطع‬
      ‫ومن هذا الحقل الدلالي‬      ‫وسائر ديوان «راعي المياه»‬
  ‫ترد ألفاظ‪ :‬زهرة الحشيش‬             ‫بأنها غنائية لأن السمة‬
                                 ‫الواضحة هنا هي الاستعارة‬
   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167