Page 163 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 163

‫الملف الثقـافي ‪1 6 1‬‬

‫جابر عصفور‬                    ‫أحمد عبد المعطي حجازي‬             ‫والريحان والزنجبيل والمسك‬
                                                                   ‫والإكليل وخشب الصندل‬
            ‫في تلك اللحظة‬        ‫يرتبط بالصراخ‪ ،‬والأزهار‬                ‫والحدائق والخوص‪.‬‬
  ‫وأض ُع أصابعي في عظا ٍم‬     ‫تأتي من النافذة‪ ،‬بينما أوراق‬           ‫فإذا وصلنا إلى الديوان‬
                                                                      ‫الأخير كان الشاعر قد‬
                   ‫قديمة‬         ‫العشب لن ترد إلا مبلولة‪،‬‬
       ‫وأصر ُخ في أحرا ٍش‬     ‫والحرير سيل ّف جسد المملوك‬         ‫خاصم ماضيه كثي ًرا‪ ،‬ووقع‬
     ‫تنه ُش جثتي ليل نهار‬     ‫لا الملكة والغانية‪ ،‬وال ُّتوت هو‬        ‫في أسر الشعراء الذين‬
   ‫ولا يخلّ ُصني إلا أشبا ُح‬  ‫دائ ًما تو ٌت أبيض وهو مرتبط‬
                                                                    ‫حاورهم في هذا الديوان‪.‬‬
                 ‫أبي»(‪.)20‬‬         ‫بالأفخاذ‪ ،‬لأنه تح ّول إلى‬
    ‫سنعود مرة أخيرة إلى‬        ‫صورة واحدة‪ُ ،‬تقرأ على أنها‬              ‫***‬
     ‫معجم الشاعر لنتخذه‬
  ‫دلي ًل‪ ،‬فقد وردت في هذه‬                ‫«السائل المنو ّي»‪.‬‬     ‫في ديوان «يملأ فمي بالكرز»‬
  ‫القصيدة ألفاظ وتراكيب‬        ‫وفي قصيدة عنوانها «قمران‬             ‫قصيدة بعنوان «الصائد‬
     ‫مثل‪ :‬أشجار المشمش‬
  ‫والغلال ورائحة الجوافة‬          ‫على رأسي» نرى مشه ًدا‬          ‫الأبيض» فيها يذكر الشاعر‬
   ‫والدرويش والمهاجرون‬           ‫ُح ْلميًّا أقرب إلى الكابوس‪،‬‬   ‫أباه وأمه‪ ،‬لكن الموقف يصور‬
‫والشمس وقبّعات الخوص‬             ‫لكنه يبدو كما لو كان فيه‬       ‫الاغتراب‪ ،‬ولا نلمح منه دفء‬
 ‫والقمر المشنوق‪ .‬هنا نزعم‬         ‫خلاص الشاعر من أسر‬
‫أن الشاعر عاد لبيئته‪ ،‬التي‬        ‫القصيدة التي ألزم نفسه‬                            ‫العائلة‪:‬‬
 ‫اغترب عنها‪ ،‬عودة أخيرة؛‬         ‫فيها بما لا يلزم‪ ،‬هنا نرى‬       ‫«وأمي ترفع ذراعها للملاك‬
‫لأنه للأسف إنما كانت هذه‬        ‫الأب‪ ،‬في صورة شبح‪ ،‬لكنه‬          ‫وتذكر القم َح في بكائها الذي‬
‫آخر قصيدة في آخر ديوان‬             ‫يقوم بدور المنقذ وطوق‬
‫خطه الراحل فتحي عبد الله‬                                                          ‫لا ينقطع‬
                                                  ‫النجاة‪:‬‬           ‫وتأتي لزيارتي وأنا بين‬
                                ‫«أحدهما يقتر ُب من النّيران‬
                                                                          ‫جدرا ٍن كثيرة»(‪.)19‬‬
                                       ‫ولا يعر ُف كم أتألم‬          ‫قد يكون من الصواب أن‬
                                                                   ‫نربط شعر فتحي عبد الله‬
                                                                   ‫بالسوريالية‪ ،‬لغرابة عالمه‬
                                                                ‫وتداخل صوره‪ ،‬ولكني أميل‬
                                                                   ‫إلى تفسير آخر هو ارتباط‬
                                                                 ‫الشاعر بعالم الشعراء الذين‬
                                                                   ‫تماهى معهم‪ ،‬ففقد «حقله‬

                                                                          ‫الشعري» أو كاد‪.‬‬
                                                                      ‫في هذا الديوان سنرى‬
                                                                  ‫البياض مرتب ًطا بالقمصان‬
                                                                    ‫فحسب‪ ،‬والرائحة سوف‬
                                                                 ‫ترتبط بالكرز ُيحشر في الفم‬
                                                                  ‫حش ًرا‪ ،‬بل يحشر في الأنف‬
                                                                     ‫أي ًضا‪ ،‬والحديقة سوف‬
                                                                 ‫تصبح مكا ًنا لخلع الملابس‪،‬‬
                                                                    ‫وزهرة عبّاد الشمس لن‬
                                                                ‫ترتبط بالنضارة والضوء‪ ،‬بل‬
                                                                  ‫بالسرير والدموع‪ ،‬والقمح‬
   158   159   160   161   162   163   164   165   166   167   168