Page 168 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 168

‫العـدد ‪29‬‬         ‫‪166‬‬

                                                                   ‫مايو ‪٢٠٢1‬‬   ‫المتواترة في المشهد‪ ،‬نعاين نو ًعا‬
                                                                                  ‫من التباين الحاد بين صور‬
   ‫«أصدقائي الحميمون من‬                          ‫المكسور‪:‬‬                        ‫الجدران الكثيفة‪ ،‬والفراغات‪،‬‬
  ‫لدات تصوراتي‪ ،‬ممن أحلم‬        ‫«وعليه أن يخلع ملابسه تحت‬
                                                                               ‫والنوافذ‪ ،‬والمقهى الحلمي الذي‬
     ‫بهم في يقظتي‪ ،‬ممن لن‬                    ‫مروحة كبيرة‬                       ‫ينفتح على أجواء المكان الحلمي‬
   ‫أمتلكهم أب ًدا؛ ما من شكل‬        ‫فإذا رأى قم ًرا على نافذة‬
  ‫من أشكال الكينونة ينطبق‬           ‫وملاءة حمراء على أرض‬                          ‫السريالي الفسيح الذي أتت‬
  ‫عليَّ؛ ليس أي طبع أو مزاج‬                                                      ‫منه الأم وشخصيات الذاكرة‬
‫‪-‬في هذا العالم‪ -‬قادر على أن‬                        ‫الغرفة‬
‫يعكس أدنى فرصة مما أحلم‬             ‫ورائحة تملأ أنفه بالكرز‬                        ‫الجمعية في حالة استعارية‬
‫به كصديق حميم؛ لا محبوبة‬                                                                        ‫افتراضية‪.‬‬
 ‫عندي‪ ..‬عدا ما تجود به عليَّ‬             ‫لا يفيق من السحر‬
   ‫تخيلاتي المحبطة تما ًما في‬         ‫إلا وفمه مملوء بالتوت‬                       ‫وقد يستعيد الصوت المتكلم‬
                                    ‫ويدخل ويخرج في نشوة‬                       ‫الهوية التمثيلية للشاعر فرناندو‬
          ‫فراغ مطلق»(‪.)5‬‬           ‫كأنه في زفاف لا موسيقى‬                     ‫بيسوا عبر التناص؛ وكانه يوحي‬
    ‫تتشكل إذا كينونة بيسوا‬                                                    ‫بتكرار حالات الوحدة‪ ،‬وأخيلتها‬
 ‫‪-‬في يومياته‪ -‬من التأملات‪،‬‬                        ‫به»(‪.)4‬‬
 ‫والتصورات‪ ،‬وأحلام اليقظة‬          ‫لقد مزج فتحي عبد الله في‬                     ‫البهيجة في بنية الحضور عبر‬
                                   ‫خطابه الشعري بين حياة‬                           ‫ثلاث حركات؛ تبدأ بمعركة‬
      ‫التي تذكرنا بالتأملات‬      ‫بيسوا الفنية‪ ،‬وأثر كتاباته في‬                    ‫طيفية صاخبة مع شخوص‬
   ‫الشاردة طب ًقا لباشلار في‬   ‫تشكيل الهوية التمثيلية الأخرى‬                     ‫من تاريخ الفن‪ ،‬أو الحلم‪ ،‬ثم‬
 ‫كتابه شاعرية أحلام اليقظة؛‬
    ‫فالذات تستبدل علامات‬            ‫التي جمعت ‪-‬في تناقض‬                        ‫الوحدة‪ ،‬ثم نشوة حضور عالم‬
   ‫العالم‪ ،‬والفضاءات بحياة‬        ‫إبداعي‪ -‬بين معركة شكلية‬                          ‫الكتابة في واقع الشخصية‬
    ‫الأخيلة التي تبدو فاعلة‪،‬‬    ‫حلمية قديمة‪ ،‬وغياب في حالة‬
    ‫وصامتة في آن؛ ومن ثم‬        ‫الأداء الجمالي الممزوج بوحدة‬                    ‫الفنية؛ وسنجد أن عالم بيسوا‬
 ‫جسد خطاب فتحي عبد الله‬                                                          ‫الرمزي الآخر قد تشكل عبر‬
‫تلك الروح الشعرية في أجواء‬          ‫حلمية؛ وسنجد أن بيسوا‬                        ‫إيحاءات لعلامات؛ مثل رائحة‬
   ‫رومنتيكية تؤكد التناقض‬      ‫نفسه ‪-‬في كتاب اليوميات‪ -‬قد‬                      ‫الكرز‪ ،‬والملاءة الحمراء‪ ،‬والقمر‪،‬‬
‫الإبداعي بين معركة في أجواء‬     ‫أشار إلى تلك الوحدة الخيالية‬
‫رومنتيكية تعيد تمثيل بيسوا‪،‬‬     ‫بصورة أخرى تؤكد غيابه في‬                            ‫والتوت‪ ،‬والحفل الحلمي‪،‬‬
                                 ‫أحلام اليقظة التي قد تنطوي‬                    ‫والصمت‪ ،‬وحالة الأداء الفردية‬
     ‫ويستعيد نشوة الأخيلة‬                                                     ‫في الغرفة؛ ومن ثم فهي علامات‬
 ‫الإبداعية في لحظة الحضور‪،‬‬        ‫أي ًضا على البهجة اللاواعية‪،‬‬                 ‫تؤكد فاعلية الجمالي والطبيعي‪،‬‬
                               ‫واستعادة الفراغ الحلمي البديل‬
           ‫أو لحظة الكتابة‬      ‫عن الواقع‪ ،‬والذي يجمل أي ًضا‬                      ‫والأدائي في تشكيل الصوت‬
                                                                                ‫الآخر لبيسوا في الوعي المبدع؛‬
                                  ‫حد ًسا تراجيد ًّيا خفيًّا؛ يقول‬             ‫يقول في قصيدة فرناندو بعكازه‬
                                         ‫بيسوا في يوميات‪:‬‬

                                                                        ‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ -1‬راجع‪ ،‬جوليا كريستيفا‪ ،‬علم النص‪ ،‬ترجمة‪ :‬فريد الزاهي‪ ،‬مراجعة‪ :‬عبد الجليل ناظم‪ ،‬دار توبقال للنشر بالمغرب مع‬
                                                                                ‫سوي بباريس‪ ،‬ص‪.51‬‬

                                     ‫‪ -2‬فتحي عبد الله‪ ،‬يملأ فمي بالكرز‪ ،‬دار الأدهم بالقاهرة‪ ،2021 ،‬ص‪.47‬‬
                                                               ‫‪ -3‬فتحي عبد الله‪ ،‬السابق‪ ،‬صص‪.26 ،25‬‬
                                                                            ‫‪ -4‬السابق‪ ،‬صص‪.23 ،22‬‬

  ‫‪ -5‬فرناندو بيسوا‪ ،‬يوميات‪ ،‬ترجمة‪ :‬المهدي أخريف‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء بالمغرب‪ ،‬ط‪ ،2017 ،1‬ص‪.22‬‬
   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173