Page 173 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 173

‫الملف الثقـافي ‪1 7 1‬‬

  ‫لتجاور موسيقي موحي‪،‬‬            ‫الذهنية هي الخريطة التي‬      ‫القديمة‪ ،‬خارج عن الحاجة‬
       ‫أسمع‪ /‬خشخشة‪/‬‬            ‫يستطيع الإنسان من خلالها‬           ‫وفائض عن المعنى‪ ،‬لذا‬
       ‫أقدامها‪ /‬شهقاتها‪/‬‬
     ‫ضحكاتي‪ .‬ثم تنحني‬              ‫أن يفهم ويدرك ويفسر‬       ‫ستقوم بوضعه خلف الباب‬
                               ‫الأشياء‪ ،‬فهي الذهنية تمخر‬    ‫ثم تتلو على مسامعة أغا ٍن عن‬
 ‫الفكرة لتقوم بالتقاط عالم‬
‫آخر يبتعد قلي ًل عن الإيحاء‬          ‫عباب المعنى‪ ،‬أي قابلة‬     ‫أشياء لا مترابطة لا يجمع‬
                               ‫للتأويل والتفسير ولها أبعاد‬  ‫بينها سوى عبء التصورات‪.‬‬
    ‫الموسيقي‪ ،‬تتداخل فيه‬        ‫فلسفية لا تقف عند المشهد‬
   ‫مشاهد متنوعة‪« :‬يعرف‬                                            ‫«يرى توماس هوبز أن‬
‫على عجوة الصورة الذهنية‬           ‫فحسب‪ ،‬بل تتيح للمتلقي‬         ‫الصور َة مهم ٌة في العملي ِة‬
                               ‫الإبحار خلف النص أي ًضا لما‬  ‫الإبداعي ِة‪ ،‬فهي بمثاب ِة ال ِجس ِر‬
     ‫التي تتكون في أذهان‬       ‫لهم من عمق تخيلي‪ ،‬لذا هي‬          ‫الذي يرب ُط بين «الخبر ِة‬
  ‫عن المنشآت والمؤسسات‬
  ‫المختلفة‪ ،‬وقد تتكون هذه‬        ‫إسقاط المعنى على المشهد‪،‬‬                 ‫والمعرفة»(‪.)4‬‬
                                     ‫فالصورة الذهنية هي‬       ‫خبرة الشاعر الخاصة التي‬
      ‫الصورة من التجربة‬
 ‫المباشرة أو غير المباشرة‪،‬‬      ‫(روح) وليست (نصو ًصا)‬          ‫تشترك مع معرفة المتلقي‬
                               ‫قابلة للتنفس والتوسع»(‪.)5‬‬        ‫العامة لتمد بينهما جس ًرا‬
     ‫وقد تكون عقلانية أو‬       ‫يقول من قصيدة له بعنوان‬         ‫متوت ًرا من الخيال فاس ًحا‬
   ‫غير رشيدة‪ ،‬وقد تعتمد‬                                      ‫المجال أمام حساسية خاصة‬
                                            ‫ايقاع خفيف‪:‬‬          ‫للقصيدة تمتلكها وتنقل‬
       ‫على الأدلة والوثائق‬     ‫أسمع خشخشة أقدامها على‬         ‫بعضها للقارىء «فالصورة‬
    ‫أو الإشاعات والأقوال‬
    ‫غير الموثقة‪ ،‬ولكنها في‬                         ‫السلم‬
 ‫النهاية تمثل واق ًعا صاد ًقا‬          ‫وشهقاتها المقطوعة‬
  ‫بالنسبة لمن يحملونها في‬
                                           ‫لابد أنها تغادر‬
           ‫رؤوسهم»(‪.)6‬‬           ‫وقد تأنس لضحكاتي على‬
       ‫من قصيدة بعنوان‪:‬‬
   ‫فرنادوا بعكازه المكسور‬                          ‫المقهى‬
                               ‫أو تذهب وحدها إلى صوامع‬
                   ‫يقول‪:‬‬
  ‫لو كان «فرناندو بيسوا»‬                          ‫الشعير‬
                                        ‫وقد تسبق الطيور‬
                    ‫مغنيًا‬       ‫إلى الفراش تحت الشجرة‬
         ‫على مسرح قديم‬           ‫فمن يا ترى يضع ذراعها‬
 ‫وخلع ملابسه قطعة وراء‬                   ‫على أول الوسادة‬
                                    ‫أو يحملها إلى الأطياف‬
                   ‫أخرى‬
   ‫لانتظره المهاجرون على‬                        ‫المكسورة‬
                                      ‫لترى جثث الطبالين‬
                     ‫أول‬        ‫وهم يعبرون إلى السقائين‬
                  ‫الشارع‬
 ‫وأخذوه إلى حانة مهجورة‬                      ‫لا لؤلؤ هناك‬
      ‫ووضعوه على سرير‬                         ‫ولا أسماك‬
          ‫تنام عليه القطط‬
      ‫وكلما تألم في صوت‬           ‫يزيح الشاعر الفكرة عن‬
                  ‫خفيض‬              ‫تصور ذهني قائم على‬
      ‫وخلع قبعته السوداء‬           ‫التقاط الإيقاع الخفيف‪،‬‬

                                  ‫الذي بقي ملتص ًقا بروح‬
                                   ‫القصيدة عبر استعماله‬
   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178