Page 177 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 177

‫‪175‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫وإن فحص رموزه في العالم‬           ‫عنقود العنب على حاله)‬            ‫مقاطع هو ما أخذ به في‬
   ‫الشعري الذي (ملأ فمه‬           ‫وهذا العنوان هو الرابع‬        ‫كل النصوص الطويلة التي‬
  ‫بالكرز) يدل على ذلك في‪:‬‬         ‫في أربعة نصوص مبنية‬
                                ‫على أربعة مقاطع‪ ،‬ينهج في‬           ‫ذكرتها‪ .‬وبطل القصيدة‬
‫(ألن جينيسبيرج) و(أوراق‬        ‫إبداعها شعر ًّيا السبيل الذي‬      ‫عنده يم ّر بأربعة فصول‪،‬‬
‫العشب) و(إيمي) و(كفافي)‬          ‫أوجزت الإشارة إليه؛ لأن‬        ‫في الأول‪ :‬يعزف على إيقاع‬
                                  ‫بناء القصيدة عنده يقوم‬     ‫الحياة في مطالعها الأولى‪ ،‬كما‬
   ‫و(فرناندو بيسوا)‪ ،‬وهو‬        ‫على حدوس خاصة تؤديها‬           ‫في (طائر على السرير)‪ ،‬وفي‬
   ‫يستعير هذه الرموز على‬      ‫رموزه التي يغلب على بعدها‬         ‫الثاني‪ :‬يقبض على صاحب‬
 ‫امتداد النصوص العشرين‬        ‫الدلالي وممكناتها التصويرية‬         ‫التاج‪ ،‬محاو ًل امتلاك ما‬
                               ‫المشهد ذو الحدث الدرامي‪،‬‬           ‫كان طمو ًحا‪ .‬وفي الثالث‪:‬‬
     ‫تقريبًا‪ ،‬وكان توظيف‬        ‫أو اللقطة ذات الفعل المؤثر‬      ‫يأخذ اللهاث منه كثي ًرا من‬
   ‫رمزية (إيمي) أوسع في‬           ‫ذي البث الرمزي العالي‪،‬‬         ‫ممكناته‪ ،‬ويبدو قريبًا من‬
 ‫عدد من النصوص‪ ،‬وأعمق‬           ‫حتى أن الرموز التاريخية‬      ‫الذين ذهبوا‪ .‬وفي الرابع‪ :‬يبكي‬
   ‫في إيحاءاته من عالم كل‬                                        ‫وحده في حجرات الحياة‪،‬‬
 ‫قصيدة‪ ،‬ثم المجموعة كلها‪.‬‬           ‫تدخل في سياق نصي‬           ‫وينسى يده على النافذة؛ لأن‬
 ‫فهو يكثف اللقطة بنا ًء على‬       ‫سردي ذي حدث درامي‬             ‫الأشخاص‪ :‬أبطال قصائده‬
    ‫(اللقطة السينمائية) أو‬    ‫تنبني عليه القصيدة كلها في‬       ‫يمتلكون أعوامهم في فصول‬
 ‫المشهد الدرامي‪ ،‬بما يحيلك‬     ‫(فصولها الأربعة‪ /‬مقاطع)‬           ‫الحياة‪ ،‬على نحو متسلسل‬
  ‫إلى أبعاد تأويلية مفتوحة‬                                     ‫من أعلى الحضور مرو ًرا بما‬
 ‫أكثر مما يقيم الصورة على‬           ‫من (أعوامه الأربعة‪/‬‬       ‫يقع في ذلك من غيابات حتى‬
  ‫انزياحات اللفظ‪ ،‬ولاسيما‬       ‫قصائده) واللافت للتأويل‬          ‫الوصول إلى فصل الغياب‬
                                                               ‫الأخير‪ :‬الفصل الرابع‪ .‬حتى‬
      ‫في النصوص الأربعة‬           ‫أنه انتقل إلى جوار ربه‪،‬‬       ‫أن القصائد التي بناها على‬
    ‫المطولة‪ .‬حتى أن الرمز‬      ‫وهو لما يقرأ مجموعته هذه‬         ‫هذا النهج أربع هي‪( :‬زبدة‬
 ‫الشعري يغلب عليه فائض‬           ‫الأخيرة لقد‪( :‬ترك عنقود‬      ‫بيضاء) و(طائر على السرير)‬
 ‫احتمالات عند التأويل‪ ،‬بما‬       ‫العنب على حاله) بما بدت‬      ‫و(يملأ فمي بالكرز) و(أترك‬
‫لا يقف معه المتلقي المتفاعل‬   ‫نزعة الاستشراف والصدور‬              ‫عنقود العنب على حاله)‪،‬‬
‫بالضرورة على ُب ْع ٍد تقليدي‬                                 ‫وهي متسلسلة على هذا النحو‬
                                    ‫عن الحدوس واضحة‬           ‫أي ًضا‪ ،‬حيث يبدأها بالحضور‬
      ‫واحد للرمز‪ .‬وتنتمي‬           ‫في هذه المجموعة‪ ،‬وهي‬           ‫(زبدة بيضاء)‪ ،‬ثم يسلك‬
 ‫رموز هذه المجموعة لدوال‬      ‫تستدعي قراءة مستقلة‪ .‬فهو‬       ‫سبيل الآفاق بجناحين محلقين‬
‫شهيرة في عالم الفن والأدب‬       ‫شاعر يقرأ تفاصيل الحياة‬        ‫في (طائر على السرير) حتى‬
                                 ‫اليومية قراءة غريب عنه‪،‬‬     ‫ليصل إلى حضور التمكن بأن‬
      ‫الغربيين المعاصرين‪.‬‬       ‫فرط انغماسه فيها‪ ،‬وفرط‬       ‫(يملأ فمه بالكرز)‪ ،‬وهو الدال‬
     ‫ولا يقرأ المتلقي في لغة‬  ‫إحساسه بالحاجة إلى التغيير‬       ‫الذي جعله عنوا ًنا للمجموعة‬
   ‫نصه الألفاظ أو الكلمات‬      ‫والإضافة حتى أنه يستعير‬           ‫كلها‪ ،‬ثم يؤول به كل ذلك‬
     ‫أو التراكيب باحثًا عن‬        ‫عالمًا يجاور عالمه‪ ،‬وبيئة‬    ‫إلى أن يدع أشياء الحياة على‬
  ‫ح ٍّد تداولي لها مستقر في‬       ‫تجاور بيئته في؛ رموزه‬      ‫حالها ويرحل‪ ،‬وكأنه لم يأخذ‬
 ‫الذاكرة الجمعية بوضوح‪،‬‬        ‫وأشيائه وموضوعات عالمه‬        ‫منها شيئًا‪ ،‬ولاسيما أنه (ترك‬
    ‫إنما عليه أن يقرأها بين‬    ‫الشعري حتى لكأنه يترجم‬
  ‫يدي السياق النصي لهذه‬       ‫شع ًرا‪ ،‬وكأنه لا يكتب شعره‬
      ‫التجربة؛ لأن الشاعر‬       ‫العربي‪ ،‬وهو شاعر عربي‪.‬‬
 ‫ينجزها منطل ًقا من تغريبة‬
  ‫لغوية يسكن إليها‪ ،‬يماهي‬
   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182