Page 175 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 175

‫الملف الثقـافي ‪1 7 3‬‬

   ‫وفي مجموعة (يملأ فمي‬           ‫كان التخيل لدى الشاعر‬         ‫حين يملأ فَ مَ الكتابة بالكرز‬
‫بالكرز) لفتحي عبد الله ذات‬
‫العشرين ن ًّصا الصادرة عن‬        ‫القديم‪ ،‬ينزل من الإحساس‬        ‫د‪.‬رحمن غركان‬
 ‫دار الأدهم في القاهرة سنة‬             ‫بالأشياء منز ًل لفظيًّا‬  ‫(العراق)‬
                                      ‫مص ّو ًرا‪ ،‬في صلاة من‬
   ‫‪٢٠٢١‬م‪ ،‬يشتغل الشاعر‬
  ‫في ن ّصه على صور المشهد‬         ‫نسب ما‪ ،‬بين الكلمات قبل‬
 ‫ذي البناء السردي السببي‬             ‫ذلك النزول‪ ،‬وما تصير‬

      ‫في النصوص الطويلة‬          ‫إليه بعد صعودها إلى رؤى‬
   ‫التي يوزعها على مقاطع‪،‬‬         ‫الشاعر وفيها‪ .‬ويتباين في‬
   ‫يسلسلها بأرقام خاصة‬           ‫ذلك الشعراء كثي ًرا‪ ،‬بحسب‬

     ‫بحسب حركية توزيع‬                ‫مسافة ذلك الإحساس‪،‬‬
  ‫المشاهد‪ ،‬كما في نصوص‬              ‫فقد تكون سف ًرا؛ كما في‬
                                     ‫الحكميات والعقليات أو‬
     ‫(زبدة بيضاء) و(طائر‬          ‫الصدور عن أغراض معدة‬
  ‫على السرير) و(يملأ فمي‬            ‫مسب ًقا على نحو توظيفي‬
                                ‫أحادي‪ ،‬وقد تكون ذات أبعاد‬
    ‫بالكرز) و(اترك عنقود‬          ‫غير متقاربة بحسب درجة‬
    ‫العنب على حاله)‪ ،‬حيث‬         ‫الإحساس بالشيء في خلال‬
   ‫توزع كل نص منها على‬           ‫الكلمة‪ ،‬أو الإضافة للأشياء‬
    ‫أربعة مقاطع متسلسلة‬            ‫في خلال الألفاظ‪ .‬أما الآن‬
  ‫من (‪ )٤ –١‬حتى إذا قرأت‬        ‫فقد ذهب الشعراء من تكثيف‬
‫المقطع الأ ّول بدا لك الشاعر‬         ‫اللفظ وتخيّل الإحساس‬
    ‫راو ًيا رائيًا‪ ،‬كما في أول‬   ‫بالعالم في خلاله‪ ،‬إلى تكثيف‬
  ‫نص‪ ،‬أعني (زبدة بيضاء)‬
‫حيث يقول‪« :‬في زيارة (ألن‬               ‫إحساسهم نفسه عبر‬
    ‫جينيسبيرج) الأولى لمن‬        ‫الألفاظ وممكناتها‪ ،‬راسمين‬
 ‫تبقوا من الطوفان‪ /‬حملها‬
   ‫بين ذراعيه‪ /.‬وبقهقهاته‬             ‫الأحاسيس‪ ،‬مصورين‬
  ‫العالية سخر من أطرافها‬          ‫الكثافة الشعورية بالأشياء‬
   ‫القصيرة‪ /‬ووضعها على‬             ‫والمعاني؛ في خلال أنساق‬
     ‫الطاولة بجوار (أوراق‬        ‫وسياقات ورموز وممكنات‬
     ‫العشب)‪ /‬وكشف عن‬
 ‫صدرها المليء بالحشائش‪/‬‬               ‫لفظية‪ ،‬وأشكال كتابية‬
                                     ‫في الرسم والانزياحات‬
      ‫لا تذكري أنني زبدة‬        ‫ومعطياتهما؛ على نحو يكثف‬
 ‫بيضاء‪ /‬فأنا أعرف أن لك‬         ‫الصورة بإيحاءاتها في خلال‬
                                 ‫السياق الأوسع للنص؛ عبر‬
   ‫سجادة على باب المنزل‪/‬‬          ‫جم ٍل أو أسطر لا في خلال‬
      ‫وتكرهين الخيول في‬           ‫لفظ بعينه؛ لأن النهج صار‬
                                  ‫إلى الانزياح لا المجاز فقط‪.‬‬
‫المنمنات‪ /‬وربما صرفوا لك‬        ‫وفي الرموز يذهب إلى فائض‬
‫الثمار ناقصة دون فتحات‪/‬‬          ‫احتمالاتها لا الجاهز المتوقع‬

       ‫وأعوذ من مؤخرتي‬                       ‫من إيحاءاتها‪.‬‬
  ‫بالأغصان المقطوعة‪ /‬فقد‬
   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180