Page 121 - b
P. 121

‫بعد ‪ 75‬عا ًما من وفاة الرسول بالتقريب‪.‬‬
‫لكن الملاحظ أنه في الجمع الأول في عهد أبي بكر الصديق‪ ،‬والجمع‬
‫الثاني في عهد عثمان بن عفان‪ ،‬وفي تشكيل القرآن‪ ،‬أو ن ْقط الإعراب‪،‬‬
‫وتنقيط الحروف‪ ،‬أو ن ْقط الإعجام‪ ،‬في كل هذا كان يقال إن السبب‬
‫«إشاعة اللحن والتصحيف”‪ ،‬واللحن هو الخطأ في الإعراب؛ كأ ْن‬
‫ُي ْن َصب الفاعل أو ُيرفع المفعول‪ ،‬والتصحيف هو الخطأ في الحروف‬
‫التي ُي َف َّر ُق بينها بالنقاط؛ كالصاد والضاد‪ ،‬والعين والغين‪ .‬وحتى‬
‫اليوم يقدم النحاة لنا مث ًل بالخلط بين كلمتي (تثبتوا) و(تبينوا)‬
‫اللتين لهما المعنى نفسه‪ ،‬والشكل الكتابي نفسه إن ُرفعت النقاط‪،‬‬
‫وذلك في قوله “ َيا َأ ُّي َها الَّ ِذي َن آ َم ُنوا إِن َجا َء ُك ْم َفا ِس ٌق ِب َن َبإٍ َف َت َبيَّ ُنوا َأن‬
‫ُت ِصي ُبوا َق ْو ًما ِب َج َها َل ٍة َف ُت ْصبِ ُحوا َع َل َما َف َع ْل ُت ْم َنا ِد ِمي َن”‪( .‬الحجرات‪:‬‬

                                                           ‫‪)6‬‬
‫ويقول الطبري في تفسير الآية‪« :‬واختلفت الق َّراء في قراءة قوله‬
‫( َف َت َبيَّ ُنوا) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة ( َف َت َثبَّ ُتوا) بالثاء‪ ،‬و ُذكر أنها‬
‫في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء‪ .‬وقرأ ذلك بعض الق َّراء فتبيَّنوا‬
‫بالباء‪ ،‬بمعنى‪ :‬أمهلوا حتى تعرفوا صحته‪ ،‬لا تعجلوا بقبوله‪ ،‬وكذلك‬
‫معنى ( َف َت َثبَّ ُتوا)‪ .‬والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان‬

                  ‫متقاربتا المعنى‪ ،‬فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب”‪.‬‬
‫وهنا سنجد أنفسنا أمام المراوحة ذاتها التي تتعارض مع إغلاق‬
‫النص الذي كتبه الله‪ ،‬والذي يقال إنه يقصد كل حرف فيه كما أنزله‪،‬‬
‫وإن اللغة العربية ليس بها مترادفات‪ ،‬فكل لفظ يختلف في معناه عن‬
‫الآخر‪ :‬قام غير وقف‪ ،‬وقعد غير جلس‪ ،‬وأتى غير جاء‪ ..‬إلخ‪ .‬والأغرب‬
‫من هذا الاختلاف قول الطبري “فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب”‪،‬‬
‫وكأنه من المقبول أن يقول الله كلمة وأقول غيرها فأكون مصيبًا‬
‫لمجرد أنها تعطي المعنى نفسه! فلماذا كان غضب النبي ‪-‬إذن‪ -‬من‬

 ‫ابن أبي السرح إن كان «علي ًما حكي ًما» هي نفسها «حكي ًما علي ًما»!!‬

                             ‫‪121‬‬
   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126