Page 117 - b
P. 117

‫قال «إسناده صحيح إلى ابن جبير‪ ..‬وقد روي موصو ًل عن سعيد‪،‬‬
‫ولا يصح»‪ .‬وقد رواها السيوطي في الدر المنثور وقال إن إسنادها‬
‫صحيح‪ ،‬فقال‪« :‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬قال‪ :‬قرأ رسول الله (ص) بمكة‬
‫النجم‪ ،‬فلما بلغ هذا الموضع (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة‬
‫الأخرى) ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن‬
‫لترتجى‪ ،...،‬ثم جاءه (جبريل) بعد ذلك‪ ،‬قال‪ :‬اعرض عليَّ ما جئتك به‪.‬‬
‫فلما بلغ‪ :‬تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى‪ .‬قال له (جبريل)‪:‬‬
‫لم آتك بهذا؛ هذا من الشيطان‪ ،‬فأنزل الله (وما أرسلنا من قبلك من‬

                                            ‫رسول ولا نبي)”‪.‬‬
‫الجديد في رواية السيوطي قوله‪( :‬ثم) جاءه (جبريل) (بعد ذلك)‪،‬‬

                                     ‫وقال لم آتك بهذا (فأنزل)‪.‬‬
‫نلاحظ أن (ثم) حرف عطف له معنى الترتيب بانفصال‪ ،‬يعني‬
‫الترتيب بعد مدة تفصل الحدثين‪ ،‬أي ب ُمهلة سوا ٌء أطويلة كانت أم‬
‫قصيرة‪ .‬أما (الفاء) في قوله (فأنزل) فتأتي عاطفة ف ُتفيد الترتيب‬
‫والتعقيب‪ ،‬أي الترتيب المباشر‪ ،‬نحو‪“ :‬قام زي ٌد فعمرو‪ .‬حبس ُه‬
‫فقتله”‪ .‬والسببية نحو “ضرب ُه فمات»‪ .‬والمفهوم أن آيتي الغرانيق‬
‫نزلتا و ُعمل بهما فترة من الزمن (ثم) اكتشفهما (جبريل)‪ ،‬فنزلت‬
‫آية سورة الحج المشار إليها‪ .‬لكن اللافت أن المدة بين نزول الآيتين‬
‫ليست قصيرة‪ ،‬فسورة النجم مكية‪ ،‬ترتيب نزولها (‪ ،)23‬بينما‬
‫سورة الحج مدنية‪ ،‬نزلت بعد الهجرة‪ ،‬وترتيب نزولها (‪ ،)103‬وليس‬
‫معقو ًل أن تترك (الآيات الشيطانية) كل هذا الوقت‪ ،‬وإن سلمنا أن‬
‫جبريل يراجع القرآن في رمضان من كل عام‪ ،‬فلماذا لم يكتشف‬

                              ‫الآيات الشيطانية كل تلك الأعوام؟‬
‫القصة لم ترد صريحة عند البخاري ومسلم في صحيحيهما‪ ،‬ولم‬
‫تذكر فيهما كلمة الغرانيق صراحة‪ ،‬ومع ذلك فقد ورد فيهما ما يدل‬
‫عليها من أن المسلمين والمشركين جميعهم سجدوا خلف النبي‪ ،‬فقد‬

                             ‫‪117‬‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122