Page 119 - b
P. 119
مسلمة :فوجدنا المحدثين معتصمين بالنبوة -على قراءة ابن عباس-
لأنهم تكلموا بأمور عالية من أنباء الغيب خطرات ،ونطقوا بالحكمة
الباطنة فأصابوا فيما تكلموا وعصموا فيما نطقوا؛ كعمر بن الخطاب
في قصة سارية ،وما تكلم به من البراهين العالية” .و”المحدث هو
الذي يوحى إليه في نومه؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي» ،وهو الأمر الذي
يشير إلى أن مفهوم (النبوة) لم يكن في زمانهم كما نعرفها الآن.
والزيادة التي أضافها ابن عباس (ولا محدث) تفتح الباب كذلك
أمام موضوع الإحكام ،ومدى معرفة الصحابة بالقرآن ،وتفسيره،
وكل تلك (العلوم) التي يدرسها ناس هذا الزمان من حديث وفقه
وعقيدة وعلم الرجال والجرح والتعديل والناسخ والمنسوخ ،وكل
تلك المعارف التي أضافوها للدين وك َّفروا من لا يؤمن بها أو يختلف
مع استنتاجاتها!
تشكيل القرآن
م َّر شكل القرآن الحالي بعدة مراحل ،أولها مرحلة الجمع،
وسأرجئها قلي ًل ،ثم مرحلة التشكيل والتنقيط ،أو الن ْقط ،وهذه
الأخيرة ُوضعت على مرحلتين:
المرحلة الأولى :ما قيل إن عليًّا بن أبي طالب ندب أبا الأسود
الدؤلي ليشكل الحروف ،أو يضبط نطقها «وذلك لمَّا فشا اللحن في
قراءة القرآن الكريم؛ حيث فسدت ألسن الناس ،وكثر الداخلون في
الإسلام من غير العرب” (معجم علوم القرآن ،دار القلم ،دمشق،
إبراهيم محمد الجرمي ،ط1422 ،1هـ ،ص .)295ولكي ينجز أبو
الأسود هذه المهمة الصعبة ،وقد كانت لديه موهبة كبيرة في اللغة
وضوابطها :اختار “رج ًل من عبد القيس وقال له :خذ المصحف
وص ْب ًغا يخالف لونه لون مداد المصحف ،فإذا فتح ُت شفت َّي فانق ْط
نقط ًة واحد ًة فوق الحرف ،وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب
119