Page 118 - b
P. 118

‫ورد في البخاري أربعة أحاديث عن حفص بن عمر وعبدان بن عثمان‬
‫وابن عباس وعبد الله بن مسعود «أن النبي (ص) سجد بالنجم‪،‬‬
‫وسجد مع ُه المُسل ُمون والمُشر ُكون والج ُن والإن ُس»‪ .‬وورد حديث‬
‫واحد في صحيح مسلم عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار «عن‬
‫النبي أنه قرأ‪ :‬والنجم‪ .‬فسجد فيها‪ .‬وسجد من كان معه»‪ .‬لذلك فإن‬
‫من يحا َّج بأن الصحيحين لم يوردا القصة لا يقول الحقيقة كاملة‪،‬‬
‫لأن المشركين لن يسجدوا وراء النبي إلا لسبب‪ ،‬ومسألة ذكر آلهتهم‬

                                       ‫بخير تبدو سببًا منطقيًّا‪.‬‬
‫على العموم فإن ما يستوقفني في قصة الغرانيق ليس صدقها أو‬
‫كذبها‪ ،‬فالخلاف حول صحتها بين الرواة أمر طبيعي لأنهم يختلفون‬
‫في كل شيء تقريبًا‪ ،‬وفي أمور في صلب العقيدة‪ ،‬لدرجة أن الثابت‬
‫هو الاختلاف وليس الاتفاق‪ ،‬ومنهجي في هذه القراءة (الثقافية لا‬
‫الفقهية) هو أن وجود قصة أو خبر مشكوك في صحته ُيفقد الكتاب‬
‫الذي ورد فيه حجيته كمرجع يمكن أن نأخذ عنه‪ ،‬لأن وجود خبر‬
‫مكذوب دليل على فساد المنطق‪ ،‬ولو أن هذه القصة أو ذلك الخبر‬
‫تعلَّقا بأمر من أمور الدين والعقيدة‪ ،‬فيكون الأولى عدم الاعتداد‬

                                                  ‫بالمرجع كله‪.‬‬
‫ما يهمني ‪-‬كذلك‪ -‬هو قبول الأولين مبدأ أن الشيطان يملي على‬
‫الأنبياء‪ ،‬استنا ًدا إلى آية سورة الحج «وما أرسلنا من قبلك من ر ُسو ٍل‬
‫ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطا ُن في أُمنيته»‪ ،‬و(تمنى) بمعنى تلا‬
‫أو قرأ‪ ،‬وألقى الشيطان في أمنيته أي وضع على لسانه وهو يقرأ‪،‬‬
‫بمعنى أن (النبي) أو (الرسول) يردد كلا ًما أملاه عليه الشيطان‬
‫باعتباره كلام الله‪ ..‬وأن هذا لا يخص النبي محمد فقط‪ ،‬بل كل‬

                    ‫الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله لأقوامهم!‬
‫وفي تفسير القرطبي «قال ابن عطية‪ :‬وجاء عن ابن عباس أنه كان‬
‫يقرأ (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) ‪ ...‬قال‬

                            ‫‪118‬‬
   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123