Page 128 - b
P. 128
يقتضي أن ُير َّتب بطريقة منضبطة تضمن توصيل رسالته على
الوجه الأكمل ،سواء ترتيب السور في القرآن أو ترتيب الآيات داخل
كل سورة ،فسوف نتوقف هنا –قلي ًل -أمام مسألة الترتيب ،من
داخل السردية الإسلامية نفسها ونصوصها.
الشائع بين من يطلقون عليهم (الجمهور) أن ترتيب الآيات داخل
السور توقيفي ،أي بأمر من النبي ،بينما ترتيب السور نفسها اجتهاد
من الصحابة ،ويدللون على (توقيف مواضع الآيات) بأنه حين كانت
تنزل آية جديدة كان النبي يشير للكتبة أن يضعوها في مكانها
الذي أبلغه به (جبريل) ،وأن (جبريل) كان يراجع ذلك بنفسه كل
رمضان كما ذكرت ،وأنه راجعه مرتين في عام وفاة النبي (على قول
الكرماني في البرهان) ،وقول فاطمة رضي الله عنها« :أسر إل َّي النبي
أن (جبريل) يعارضني القرآن كل سنة ،وأنه عارضني العام مرتين،
ولا أراه إلا حضر أجلي( »..أخرجه البخاري) ،ولقول القاضي أبو
بكر في الانتصار :ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم فقد كان
(جبريل) يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا.
والغريب أن القائلين بهذا يستندون إلى حديث ورد في الترمذي
( ،)3806وأبي داود ( ،)786عن ابن عباس رضي الله عنهما ،قال:
قلت لعثمان بن عفان« :ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من
المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما
سطر بسم الله الرحمن الرحيم ،ووضعتموها في السبع الطوال ،ما
حملكم على ذلك؟ فقال عثمان :كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان
وهو تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا
بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي
يذكر فيها كذا وكذا ،وإذا نزلت عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في
السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ،وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل
بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها
128