Page 170 - b
P. 170
إلى عبده ما أوحى ،ما كذب الفؤاد ما رأى” ،وتفسير القرطبي لآية
“ما كذب الفؤاد ما رأى” فيها اختلاف كبير بين الأولين حول رؤية
النبي لله -بما أنه صعد إلى سدرة المنتهى وتلقى منه تكليفات ،-إن
كانت رؤية بالعين أم بالقلب(“ :ما كذب الفؤاد ما رأى) أي لم يكذب
قلب محمد (ص) ليلة المعراج ،وذلك أن الله تعالى جعل بصره في
فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل الله تلك رؤية .وقيل :كانت رؤية
حقيقة بالبصر .والأول مروي عن ابن عباس .وفي صحيح مسلم أنه
رآه بقلبه .وهو قول أبي ذر وجماعة من الصحابة .والثاني قول أنس
وجماعة .وروي عن ابن عباس أي ًضا أنه قال :أتعجبون أن تكون الخلة
لإبراهيم ،والكلام لموسى ،والرؤية لمحمد (لاحظ هنا أن التوراة تقول
إن موسى رأى الله وهو يكلمه ،بل إنه نزل إلى بني إسرائيل بذاته
وقرأ عليهم الوصايا العشر ،وسلم موسى “بيده” لوحين حجريين
مكتو ًبا عليهما الوصايا) .وروي عن ابن عباس أي ًضا أنه قال :أما
نحن بني هاشم فنقول إن محم ًدا رأى ربه مرتين .وقد مضى القول
في هذا في (الأنعام) عند قوله :لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
وروى محمد بن كعب قال :قلنا يا رسول الله صلى الله عليك ،رأيت
ربك؟ قال :رأيته بفؤادي مرتين ثم قرأ :ما كذب الفؤاد ما رأى .وقول
ثالث أنه رأى جلاله وعظمته ،قاله الحسن .وروى أبو العالية قال:
ُسئل رسول الله :هل رأيت ربك؟ قال :رأيت نه ًرا ورأيت وراء النهر
حجا ًبا ورأيت وراء الحجاب نو ًرا لم أر غير ذلك .وفي صحيح مسلم
عن أبي ذر قال :سألت رسول الله هل رأيت ربك؟ قال :نور أنى أراه،
المعنى غلبني من النور وبهرني منه ما منعني من رؤيته”.
هذه الفقرة الواحدة من القرطبي تقدم عدة أشكال لرؤية محمد
لله :بقلبه (ابن عباس وأبو ذر وجماعة) أم بعينه (أنس وجماعة)،
واللافت أن النبي نفسه ُيروى عنه أربعة أشكال مختلفة من الرؤية:
-1رأيته بفؤادي مرتين.
170