Page 108 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 108

‫العـدد ‪31‬‬       ‫‪106‬‬

                                                        ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬  ‫د‪.‬أحمد الصغير‬

‫جنوح الذات نحو المعرفي والأركيولوجي‪..‬‬
    ‫في “على الأوستراكا أن تظل خضراء”‬

 ‫الشعرية التي تتحدث عن تنقلات الذات من منطقة‬             ‫تمثل الشاعرة سمر لاشين صو ًتا شعر َّيا لافتًا‪،‬‬
   ‫إلى أخرى‪ ،‬راصدة تحولاتها المعرفية والتاريخية‬
    ‫والثقافية من خلال استنطاق الأوستراكا‪ .‬لأنها‬           ‫حيث تعتمد على شعرية الحفر داخل النقوش التي‬
  ‫قد تتوالد من خلالها علاقات مجازية كثيرة‪ ،‬وقد‬            ‫تركت أث ًرا عمي ًقا في بنية الإنسان القديم المعاصر‪.‬‬
   ‫يتجلى ذلك من خلال حديث الشاعرة عن نفسها‬              ‫وقد تجلى ذلك من خلال مجموعتها الشعرية الأولى‪.‬‬
  ‫من جهة‪ ،‬وعن التاريخ الإنساني من جهة أخرى‪.‬‬               ‫(على الأوستراكا أن تظل خضراء‪ ،‬دار هن للنشر‪،‬‬
     ‫وسنحاول في هذه المقاربة الاستعانة بالمقاربة‬
    ‫الأركيولوجية بوصفها نه ًجا معرفيًّا‪ ،‬يبحث في‬                                         ‫القاهرة ‪)2021‬‬
  ‫المتون القديمة‪ ،‬وأثرها في الوقت الراهن‪ ،‬بل يتخذ‬            ‫وقبل الدخول في عوالم النص الشعري‪ ،‬ينبغي‬
                                                        ‫الوقوف عند العنوان‪ ،‬حيث تمثل مفردة الأوستراكا‬
‫من الحفر الإنساني وج ًها من وجوه الحياة المعرفية‬
           ‫للدخول إلى عمقها وتشكلها عبر الزمن‪.‬‬                 ‫علامة شعرية لافتة في البنية الفنية للعنوان‪،‬‬
                                                                ‫فالأوستراكا هي‪ :‬قطع صغيرة من الشقف‬
         ‫مفهوم الأركيولوجيا‬                             ‫والأحجار المسطحة التي نقش عليها الإنسان القديم‬
                                                            ‫رسومه وكتاباته ورسائله‪ ،‬وكما يبدو تاريخيًّا‬
    ‫نهضت “الأركيولوجيا” أو علم الآثار‪ ،‬لتتر ّسخ‬            ‫فإن مصطلح أوستراكا هو جمع الكلمة اليونانية‬
      ‫أي ًضا في العلوم الإنسانية‪ ،‬من خلال تفعيلها‬          ‫“أوستراكون”‪ ،‬ومعناها كسرات الفخار أو قطع‬
                                                           ‫الحجارة المسطحة‪ ،‬والتي تم استخدامها كسطح‬
     ‫وفعالياتها في الآثار الثقافية والعلمية المعرفية‪،‬‬        ‫للكتابة مثل البردي قدي ًما والورق حديثا‪ ،‬وقد‬
    ‫وسائر النصوص الإبداعية الموروثة‪ ،‬مستعيرة‬                ‫حاولت الشاعرة أن تخلق من الأوستراكا رم ًزا‬
  ‫بذلك نفس دالّتها في الآثار الماد َّية‪ ،‬فتولّد من ذلك‬    ‫على عصور موغلة في القدم‪ ،‬وكأن النص الشعري‬
 ‫المنهج الأركيولوجي أو الحفري‪ ،‬والذي يطلق عليه‬            ‫امتداد طبيعي للنقوش القديمة‪ ،‬ومن ثم فعليها أن‬
   ‫أي ًضا التحفيري أو الحجري‪ ،‬أو منهج الحفريات‬           ‫تظل خضراء مبصرة وكأنها كائن حي يستمد من‬

                                   ‫المعرفية”(‪.)1‬‬                              ‫ماضيه حاضره ومستقبله‪.‬‬
    ‫وهذا المنهج النقلي المع ّمق‪ ،‬يعني أي ًضا البحث في‬      ‫جاء ديوان (على الأوستراكا أن تظل خضراء) في‬
    ‫وقائع الأحداث‪ ،‬أو الوثائق التاريخية‪ ،‬وقراءتها‬         ‫ثلاث وثلاثين قصيدة‪ ،‬لتطرح مجموعة من المتون‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113