Page 109 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 109
نهضت "الأركيولوجيا" أو علم الآثار، مجد ًدا بشكل مختلف ،بهدف الكشف ،عن
شيء غير معروف فيها ساب ًقا ،أو قد عرف
لتتر ّسخ أي ًضا في العلوم الإنسانية ،من على أنه حقيقي وواقعي ،وهو يخضع في ذلك
خلال تفعيلها وفعالياتها في الآثار لظروف موضوعية وذاتية معينة .فترتبط
الذات الإنسانية بشكل عام بالحفر التاريخي
الثقافية والعلمية المعرفية ،وسائر الذي ينفتح على طرائق القدماء في التواصل
النصوص الإبداعية الموروثة ،مستعيرة الإنساني المختلفة.
بذلك نفس داّلتها في الآثار الماد َّية، شعرية ما وراء النص
فتوّلد من ذلك المنهج الأركيولوجي تطمح شعرية ما وراء النص إلى الوقوف على
كنهه وبنياته الفنية والمعرفية ،أي البحث عن
أو الحفري ،والذي يطلق عليه أي ًضا المعنى الخفي الذي يكمن وراء الكلام المباشر
التحفيري أو الحجري ،أو منهج على سطح النص ،فكل نص له وجهان:
وجه مباشر يراه كل القراء ،ووجه غير
الحفريات المعرفية" مباشر يتبدى للمتلقي الذي أمعن في معايشة
النص حتى يصل إلى مغزاه الحقيقي الأكثر
عنها الحياة الراهنة داخل العالم الشعري ،فتقول عم ًقا ،فقد “ينصرف المنهج الأركيولوجي الحفري
الشاعرة: المعرفي إلى ما وراء الظاهر من النص ،في قراءة ما
يخفيه أو يسكت عنه ،فهو يولد بذلك ن ًّصا ثانيًا،
«أنا الجامحة التقية ،المتبرجة الصوفية ،الجميلة، يمكن اعتباره بمثابة الصنو الآخر للنص الأول
الخشنة ،العذبة ،المالحة ،الفلاحة ،الجامعية، ويخلق بذلك قراءة ثانية ،تخترق النص الأول،
ست البيت ،الشاعرة، وتكشف عن بعض إمكاناته ،التي لا تقولها الكلمات
القريبة البعيدة ،الثرثارة الصامتة، المعجمية ،وإنما ينطق بها ،المعنى الإيجابي الدلالي
امرأة المتناقضات أنا. في النص ،وبذلك يؤدي الوظيفة ذاتها ،بالنسبة
عندما أطرق بابك ،لا تفتح؛ أنا قبرك». للأثر الأدبي الإبداعي ،في المنهج الأدبي النقدي
المعمق ،فهو يقوم بتقفي آثار العالم الذي ينبض
تبدو شعرية الحفر داخل الذات الشاعرة لافتة من حركة ،ولا يراد له الأفول ،وهو يستنهض النص
خلال السلطة العلوية التي منحتها الذات الشاعرة المبتور ،من دفاتر الحياة اليومية ،والذي تم إسكاته
داخل المحيط الذي تحاول أن تقف على مكوناته ،فقد عنوة ،صان ًعا بذلك واقعيته ،في شكل عراء فاضح
تشكلت من خلال مجموعة من التناقضات البشرية لتلك الآليات الاجتماعية المرفوضة التي قد ت َّدعي
(الجامحة -التقية -الصوفية -الجميلة -الخشنة.. الفضيلة الفكرية وتتستر تحت بنيوياتها”(.)2
لتكشف الأركيولوجيا عن المعنى الجواني للنص،
إلخ ،وقد يلاحظ أن الشاعرة تعترف بأنها امرأة وفي ظني أي ًضا أنها تمثل القراءة المعرفية الأولى
المتناقضات ،وهي تجسد ملامح الذات النسوية التي للبحث عن المكونات العقلية التي تسهم بشكل أو
بآخر في اكتشاف النص الشعري وطريقة تشكله.
تفرح وتبكي وتحزن في وقت واحد .بل يتحول ونلاحظ ذلك بشكل واسع في قصيدة سمر لاشين،
خطابها من الحديث إلى الذات إلى الحديث إلى الآخر، فهي تحفر بعمق في مكونات الذات النسوية بشكل
الرجل .على سبيل المثال تقول( :عندما أطرق بابك، خاص للوصول إلى ملامحها الأولى التي انبثقت
لا تفتح ..أنا قبرك) ،يبدو أن المفارقة التي صنعتها
الشاعرة تحمل ملامح الحياة ،على الرغم من حديثها
عن الموت ،من خلال علامة (القبر) التي وردت في
النص السابق ،فيصبح القبر صورة للأوستراكا