Page 118 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 118

‫العـدد ‪31‬‬   ‫‪116‬‬

                                                      ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬

  ‫للذات الطامحة‪ ،‬وهنا نلاحظ أن الشاعرة تلح على‬         ‫وقبل الإجابة عن تلك الأسئلة وما يتولد عنها لا بد‬
  ‫المكان الريفي بالذات بوصفه مقاب ًل مضا ًّدا لمكان‬     ‫لنا أن نبادر في القول لنصارح القارئ ‪-‬رغم عدم‬

     ‫المدينة‪ ،‬لذلك نجدها تعلن منذ الصفحات الأولى‬         ‫تيقننا من طبيعة قناعته بما نقول‪ -‬إن المجموعة‬
    ‫أن مجموعتها هذه تمثل محاولة لنزع المسامير‬               ‫التي بين أيدينا تعد محاولة شعرية لتأسيس‬
  ‫من ذاكرة الخشب‪ ،‬فأي مسامير هذه وأي خشب‬
 ‫تقصد الشاعرة؟ ربما تكون تلك مخزونات الذاكرة‬            ‫وعي أنثوي‪ ،‬لا يهدف أن يكون على حساب الآخر‬
                                                         ‫(الرجل)‪ ،‬بل يسعى إلى أن يحقق وجوده بوجود‬
        ‫الشعبية نفسها‪ ،‬أما الخشب فمن المؤكد أنه‬         ‫ذلك الآخر‪ ،‬ورغم صعوبة هذا المسعى العقدي في‬
   ‫كناية عن تلك الذاكرة التي تخشبت بفعل التقليد‬         ‫واقعنا العربي إلا أن المخيال قادر على تحقيق ذلك‬
                                                       ‫شعر ًّيا‪ ،‬وهذا ما حدا بسمر لاشين إلى اجتراح هذه‬
      ‫والثبات‪ ،‬وربما نجد ملامح جواب يلوح فيما‬            ‫المحاولة وتبنيها بحماس منقطع النظير‪ ،‬فالشعر‬
 ‫يأتي من النصوص بعد ذلك‪ ،‬ففي إحدى الثنائيات‬
                                                            ‫هو الميدان الوحيد الذي يستوعب اللاممكنات‬
    ‫التي ذكرناها تنص الشاعرة على أنها‪ :‬الفلاحة‪/‬‬            ‫والممنوعات؛ إنه قادر على الجمع بين الحضور‬
    ‫الجامعية‪ ،‬ثم نجد عنوان النص الأول‪ :‬إلى المرأة‬       ‫والغياب في بودقة واحدة‪ ،‬لكن ذلك يظل مشرو ًطا‬
‫الريفيّة‪ ،‬ثم يليه مباشرة عنوان النص الثاني‪ :‬الذئبة‬        ‫بمهارة الشاعر وتفننه في خلق عالمه الأثير وفي‬
   ‫القادمة من قل ِب ال ّريف‪ ،‬ثم يليه عنوان آخر‪ :‬بيت‬
‫ريفي‪ ،‬بعد ذلك نقرأ‪ :‬ثم لم تخبر حقولها أن لا طمى‬                                 ‫براعته في أسر المتلقي‪.‬‬
    ‫في النّهر‪ ،‬يلي ذلك‪ :‬سر حقولي الخضراء‪ ،‬فض ًل‬              ‫فالشعر عند سمر لاشين يبدو طري ًقا ناج ًعا‬
     ‫على مفردات حافة كثيرة كالأرض والعصافير‬               ‫للحد من جماح الضوضاء التي تشعر بها جراء‬
     ‫والطواحين والوحش‪ ،‬ومفردات مكانية أخرى‬                 ‫الانغماس في الوجود‪ ،‬الوجود الذكوري وذلك‬
    ‫وردت في العناوين وغيرها من المفردات الكثيرة‬
  ‫ج ًّدا في النصوص‪ ،‬وهنا يمكن القول إننا يمكن أن‬                    ‫الصخب الذي يعتمل في كل الأركان‪:‬‬
‫نلمس من خلال نصوص المجموعة أن سمر لاشين‬                                    ‫أحيا ًنا أسمع في رأسي أغاني‬
   ‫منشغلة بتأثيث الثقة في نفس المرأة التي خرجت‬                                         ‫غجر يرقصون‪.‬‬
 ‫من الريف لتواجه الحياة الصاخبة‪ ،‬تلك المرأة التي‬                               ‫أو أصوا ًتا للطب ِل البلدي‬
    ‫لا ذنب لها سوى أنها فتحت نوافذ الحلم بثياب‬                                        ‫أو صفير بلابل‪.‬‬
  ‫عصرية‪ ،‬لتكون إزاء الرجل الذي حول الشعر إلى‬                               ‫ودائ ًما هناك ذئبة ترك ُض بلا‬
  ‫دار عبادة‪ ،‬لكنه لم يكن في الحقيقة كذلك؛ بل كان‬                                         ‫توق ٍف داخلي‬
‫يروي الأخبار الطيبة والشريرة عن تلك المرأة الذئبة‬
                                                                ‫لهاث أنفاسها المتقطعة؛ يشعرني بالتّع ِب‬
                 ‫التي تركت الريف وهاجرت إليه‪:‬‬                                        ‫ث ّمة طريقة واحدة‬
 ‫كان يري ُد فقط أن يصير نبيًّا مخبو ًل؛ يحم ُل رسالة‬
                                                              ‫لإيقا ِف تل َك الذئبة وإسكات تلك الأصوات؛‬
                    ‫ذئبة‪ ،‬تعوي في قلب ِه‪( .‬ص‪)31‬‬                               ‫أن أمتلك مصيدة وسه ًما‬
   ‫وانطلاقا من مهمتها في قراءة الوجود الذي أثثته‬                               ‫أو أكت ُب الشعر‪( .‬ص‪)9‬‬
‫لنفسها نرى الشاعرة تضع الرجل أي ًضا على مفترق‬
                                                      ‫وبهذا وحده يمكن أن تحقق الأنا الشاعرة وجودها‬
    ‫ثنائية جدلية‪ ،‬فهو عندها يريد أن يصير‪ :‬نبيًّا‪/‬‬           ‫انطلا ًقا من أكثر من مثابة‪ ،‬لكن ما يجمع تلك‬
                                        ‫مخبو ًل‪.‬‬
                                                       ‫المثابات أنها كلها يمكن أن تصب في منبع الانعتاق‬
    ‫وانطلا ًقا من المكان الريفي أي ًضا يمكن أن يلحظ‬   ‫الوجودي من ربقة الآخر (الرجل) الذي رسم نفسه‬
  ‫القارئ أن الحلم يتأثث بطريقة ساحرة‪ ،‬إذ يف ّصل‬
 ‫على مقاس الرغبات العفوية ليصل إلى الذروة التي‬                        ‫على مقاسه هو دون الاكتراث لها‪.‬‬
                                                          ‫ويمكن أن نرصد أولى مثابات الانعتاق مجسدة‬
     ‫تنتهي بالرغبة في تمدين المكان‪ ،‬لتتماهى الذات‬         ‫في المكان‪ ،‬فلا مبرر لدى الشاعرة لإخفاء المكان‬
 ‫الحالمة مع الآخر القادم من المدينة‪ ،‬إذ لم يعد البيت‬     ‫الحقيقي الذي تنتمي له‪ ،‬بل يمكن أن يشكل ذلك‬
                                                          ‫المكان رغم هشاشته ‪-‬في الذاكرة‪ -‬مصدر قوة‬
   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123