Page 20 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 20
العـدد 31 18
يوليو ٢٠٢1
وحكمة السماء وأحس بأنه مأخوذ بها وغير قادر على أهمية الوثنية وثقافتها في هذه الرواية التي تمركزت
الإفلات منها« :كانت في سن الأربعين أو الثلاثين ،لم على ثنائية دينية وصراع عميق وظاهر ،تب ّدى من
أعرف ،جسمها يميل قلي ًل إلى البدانة ،ويميل كثي ًرا إلى
اللدونة ،كانت تتمايل في مشيتها ،كأنها خيط بخور، خلال الكثير من الوقائع والأحداث ،ولعل أبرز وضوح
فهل تراها كانت تتعمد يومها لإغرائي أم إنها طبيعة للوثنية الدور الذي منحته الرواية للإله بوسيدون
وهو واحد من أهم الآلهة في بلاد الإغريق .ونلاحظ
النساء في الإسكندرية»( .ص)79
لم تفلح طريقته السابقة المعتمد عليها عندما يشغله أمر بأن الثقافة الوثنية متمركزة في هذه الوحدة السردية
ذات الموقع البنائي المهم ،والذي ظل ممت ًدا ومتحر ًكا
ما ،حيث ينم كل شيء في داخله ويتعامل معه مثلما بأشكال ،لعل أهمها وضو ًحا هو القلق المحمول في
هو يريد ،ويعصم نفسه من الخطأ ،ووجد نفسه أكثر روح وأعماق هيبا ،الكاهنة /أوكتافيا /وبوسيدون،
حيرة لأنه يعرف جي ًدا بأن شرق الإسكندرية مختلف: مثلث وثني ،عمل عبر الأسطورة والثقافة الروحية من
أجل أن تبدأ علاقة صداقة عامرة ،استعادت هيبا من
«كان فعليًّا ،ومؤر ًقا لي لزمن طويل»( .ص)80 رهبنته التي اهتزت بوضوح تام .وما يفضي للدور
استسلم منذ رؤيته لها وشعر بأنه مخذول «لانتصاب الوثني الروحي اعتقاد أوكتافيا بأن الذي لوحت له
والتقته ينتمي مثلها لديانة وثنية ،هذا ما أفصحت عنه
شيطاني من تحت سروالي المبلول بماء البحر المالح» أوكتافيا بعدما عرفته خاض ًعا للرهبنة« :فجأة انتفضت
(ص )81لجسد المرأة أوكتافيا سحره وطاقة الجذب واقفة وقد صارت لها هيئة كتلك التي تكسو التماثيل
التي لم يقاومها أب ًدا ،على الرغم من صفته الدينية التي
الضخمة القديمة ،وبكل ما فيها من عنفوان وثني
يفترض أن تكون صا ًّدا له وحاميًا من الزلل ،لكنه ومن مرارة موروثة ،مدت ذراعها اليمنى نحو الباب،
اكتشف مرونة جسدها ومؤخرتها العالية الرشيقة وزعقت ف َّي ،صوت هائل مثل هزيم رعد سكندر ّي أو
بين الصخور ،كما وجدها متربصة به ،ولذا أومأت
له نحو أسفل بطنه بعدما لمحت شيطانه منتصبًا ،هذا صرير ريح وثنية عاتية :أخرج من بيتي يا حقير،
وحده كاف ،إنه رسالة مكشوفة لا تحتاج لوسيط أخرج يا سافل»( .ص )123توقعت أوكتافيا أن هيبا
ناقل .رآها بيضاء وثوبها أبيض ،نهدها المطل أبيض، وثني ،ولأنها لم تسأله عن ديانته لأنها أدركت بأن
بشرتها كلها بيضاء حتى دهشة هيبا كانت بيضاء. الذي أنقذته من الغرق عرف جي ًدا بأن الإله بوسيدون
هو المنقذ ،كما أنه -هيبا -المنتظر الذي قال بحتمية
ويعيش تلك اللحظة أول مرة في حياته .مندهش مجيء من يؤنسها ويقلل عليها الوحشة بعد علامتين،
ومذهول ،أخذته وأسلم لها ما بيديه من قوة روحية والمقصود بهما بعد يومين /أو شهرين /أو سنتين.
وثقافية .تعلم منها ،علمته لأنه اكتشف وظيفة جديدة وتحققت نبؤة العرافة التي كانت ساكنة مع أوكتافيا.
لصدر المرأة ونهديها التي كثي ًرا ما رآهما وهما ولأنه جاء اليها ،فهو مرتبط بالديانة الوثنية والإله
يرضعان الأطفال .خلق الله نهود النساء كي يرضعن بوسيدون الذي كان والده يقدم له خدمات دينية،
بها ،فلأي سبب آخر خلق هذين النهدين؟»( .ص)80 حيث يصطاد السمك ويذهب به إلى معبد الآلهة،
لكن التطرف المسيحي اغتال والد هيبا .تبدو وظيفة
استسلم لها كليًّا وغير قادر على مقاومة جمالها الرجل مماثلة تما ًما مع وظيفة الحكيم آدابا إلذي
الإلهي ،سحرته وسلم نفسه لها وتركته وسط خدر كان يؤدي وظيفة تقدمات يومية للإله أنكي في مدينة
لذيذ «فعلت ما لم يفعله أحد معي من الشرق الأوسط أريدو وحص ًرا بمعبده في الآبسو .اعتقد بأن الوحدة
التي عاشتها أوكتافيا بعد سفر الصقلي تاجر الحرير
وحص ًرا في العراق وسوريا وفلسطين ،وشاركها ووفاة الكاهنة سبب لحماسها بالعلاقة مع هيبا منذ
بطقس الأنوثة التي ابتكرته وكرسته منذ الديانة لحظة رؤيته ،بحيث صارت بالنسبة له منقذة .كما
العشتارية وما بعدها من ديانات الخصب والزواج كانت هذه المرأة الوثنية محطة استراحة الراهب وهي
المقدس /براحتها اليمنى راحت تقرب القنينة من الكاشفة عن معنى الأنوثة في جسد ،وجد فيها الجمال
شفتي ،فتداعب بفم القنينة فمي ،ثم تسكب في روحي
رشفات من نبيذها السماوي .لم أذق مثل هذا النبيذ
ولم أشرب بعد أيامي هذه مع أوكتافيا أي نبيذ..
لما ارتويت أغمضت عيني ،فأحسست بخدر يتخلل