Page 23 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 23

‫‪21‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

   ‫ولأنها التي م ّدت ذراعيها نحوه وهي على سريرها‬                    ‫فع ٍل كهذا‪ .‬أن أخصي نفسي! (ص‪)129‬‬
     ‫واقترحت أكل التفاحة‪ ،‬فهي استعادت الأسطورة‬          ‫استعادت الروح والطاقة الجوانية صحوتها مرة ثانية‬
 ‫باتصال الأنثى بالذكر‪ ،‬حيث تضمنت أسطورة الآلهة‬
  ‫«ليليث» بأن تنفذ الاتصال وتؤدي دورها بالاتصال‬            ‫بعد الطرد‪ ،‬والافتراق عن هيجان الجسد الأنثوي‪/‬‬
 ‫مع الرجل‪ ،‬كما تفضي إلى أسطورة الاتصال الجنسي‬              ‫أوكتافيا وأنتبه للخطية التي زاولها وكأنه يستعيد‬
  ‫بين آدم وحواء حيث تطلّب منها أن تتصل به‪ ،‬وهذا‬           ‫خطية آدم الأولى مع حواء وسط الجنة «اعتصرتني‬
  ‫ما قامت به أوكتافيا التي تتماهى مع آلوهات مؤنثة‪:‬‬           ‫الأفكار التي أحاطتني بها هذه الربة الوثنية التي‬
      ‫«كنت أظن قبلها أن الرجل إذا اختلا بالمرأة فإنه‬      ‫تجلسني على سريرها‪ .‬أكانت أوكتافيا ربة‪ ،‬أم عبده‬
    ‫يعتليها‪ .‬لكن الذي جرى لحظتها‪ ،‬هو أنها اعتلتني‪،‬‬      ‫لشهوتها‪ ..‬ترى هل أرادت بتفاحتها تلك أن تعيدنا إلى‬
 ‫لن أستطيع تدوين بقية ما جرى بيننا في ليلتنا هذه‪..‬‬        ‫الخطية‪ ،‬فتعود بنا إلى بدء خلق جديد؟ لقد أسقطتني‬
    ‫ليلتنا كانت حافلة بالشهوات المح ّرمة التي أهبطت‬      ‫معها في بحر الخطايا فكيف كنت سأنجو من الغرق؟‬
  ‫آدم من الجنة‪ .‬ترى هل طرد الله آدم من الجنة لأنه‬
‫عصى الأمر‪ .‬أم لأنه حين عرف س ّر أنوثة حواء أدرك‬                ‫وهي تريدني أن أمضي العمر معها‪ ..‬كيف؟»‪.‬‬
‫رجولته واختلافه عن الله‪ ،‬مع أنه خلقه على صورته»‪.‬‬                                              ‫(ص‪)121‬‬

                                       ‫(ص‪)90‬‬            ‫أوكتافيا ربة مانحة‪ ،‬هذا ما قالته المخطوطة على لسان‬
 ‫لجسدها حضور وطغيان والإحساس بذلك من قبلها‬                   ‫هيبا الذي سجل تاري ًخا عاشت تفاصيله‪ ،‬تاريخ‬
‫لا يحتاج إلى تأكيد‪ ،‬والجسد الأنثوي حاضر‪ /‬يقظ ولا‬
  ‫ينام أب ًدا‪ ،‬حتى روح الأنثى كاشفة للجسد‪ ،‬ومضيئة‬       ‫العزلة والعلاقة مع الرب والغواية والتحرر من قسوة‬
   ‫له‪ .‬أما هيبا فإن روحه هي الحاضرة الضاغطة على‬         ‫الرهبنة‪ ،‬حيث استمع لجسده وحاجاته اللذية وانتصر‬
  ‫الجسد من أجل إذلاله ودفعه للتفاني بالروح وتغيب‬         ‫الجسد وكانت الربة تمثيل لعدد من الألوهيات المؤنثة‬

   ‫قدراته الخلاقة‪ .‬بمعنى دائ ًما ما يكون الجسد غائبًا‬                  ‫التي منحت جسدها من أجل الحياة‪.‬‬
   ‫بحضور الروح‪ .‬وفي علاقة هيبا مع أوكتافيا غابت‬         ‫«على طرف سريرها جلست وهي تم ّد ذراعيها نحوي‪،‬‬
‫الروح وتلاشت‪ ،‬كذلك هذا الذي حصل مع مارتا‪ ،‬وفي‬
  ‫هذه الحكاية الغريبة في عشقها وجنون الاثنين هيبا‬                ‫مثل ربة مانحة‪ .‬ربة حنون وطيبة ومرحة‪..‬‬
‫ومارتا‪ .‬الراهب هيبا عاش صرا ًعا مري ًرا وقاسيًا عندما‬                ‫‪ -‬ما لك شار ًدا يا حبيبي؟ خذ التفاحة‪.‬‬
‫يصحو جسده في اللحظة التي تختفي فيها الروح‪ .‬هذا‬
 ‫هو عذابه القصير الذي لم يعشه طوي ًل‪ ،‬لكنه يستعيد‬          ‫‪ -‬تفاح! لا أحبه‪ ،‬فهو الثمرة التي أخرجت آدم من‬
    ‫يقظات الجسد وفورانه‪ ،‬وخصو ًصا جسد الشاب‬                                                      ‫الجنة‪.‬‬
 ‫الذي اعترف له بممارسة الجسد مع صخلته ووالدته‬
                                                         ‫‪ -‬ما هذا السخف! من أخبرك بهذه الخرافات يا طفلي‬
     ‫التي كانت تستمتع معه كثي ًرا‪ ،‬وكذلك أخته التي‬                                             ‫الصغير؟‬
   ‫جاءت لهم بعد سفر زوجها‪ ،‬هذه الوقائع الجسدية‬
   ‫الاحتجاجية على القمع والقسوة الثقافية صادمة له‬               ‫مضطر ًبا‪ ،‬ومن دون أن أفكر‪ ،‬قلت لها بحدة‪:‬‬
‫باستمرار‪ ،‬وكلما استذكرها اعتبرها تمظهرات عزازيل‬             ‫‪ -‬ها‪ ،‬التوراة‪ .‬إنها كتاب عجيب‪ ،‬يهزأ طول الوقت‬
    ‫المنتصر دائ ًما والمختفي قلي ًل‪ .‬هذه التفاصيل التي‬
 ‫قصها الشاب معتر ًفا على يديه هي التي ف ّعلت الداخلي‬          ‫بالمصريين القدماء‪ ،‬ويتهم نساءهم»‪( .‬ص‪)119‬‬
  ‫وحررته نهائيًّا‪ ،‬وهذا قرار مهم وحاسم اتخذه هيبا‬       ‫رفض في البداية أكل التفاح‪ ،‬لكنه تناولها بعد إلحاحها‪،‬‬
 ‫في نهاية الرواية‪ .‬وأنا أعتقد بأن هيبا العاشق للجسد‬      ‫ولم يكن طلبها له بتناول التفاح اعتباطيًّا لوجوده مع‬
   ‫هو الكائن الحقيقي‪ ،‬هذا ما توصل إليه هو الكينونة‬
‫تتحقق عبر الآخر‪ /‬المرأة‪ ،‬المكمل للنقص‪ .‬الرجل يحمل‬         ‫أنواع من التفاحة‪ ،‬وإنما أرادت إيقاظ الذاكرة الأولى‬
                                                        ‫واستحضار أسطورتها في الجنة‪ ،‬حيث تع ّرف آدم على‬

                                                           ‫المعرفة وحصول الخطيئة‪ ،‬هذا هو المانع في البداية‪،‬‬
                                                           ‫لكنه وقع في الإغواء قبل ذلك‪ ،‬وأرادت بذلك تجديد‬
                                                           ‫اتصالها معه «ضمتني إليها بقوة‪ ،‬غبت تما ًما‪ .‬كنت‬

                                                            ‫آدم الذي يوشك أن يخرج من الجنة‪ ،‬لأنه يوشك‬
                                                          ‫أن يدخل الجنة فيأكل من الشجرة‪ ..‬وبهذا الاشتهاء‬
                                                          ‫المحرم‪ ،‬المفعم بانجذاب سحري كدت أقبل عليها من‬

                                                                                    ‫دون روية»‪( .‬ص‪)93‬‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28