Page 27 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 27

‫‪25‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫للإنسان إله خاص؟ وعرف هيبا من أوكتافيا بأن‬           ‫وشت أمه بأبيه‪ ،‬فقتلوه أمام ناظريه‪ ..‬أنا الآخر المؤيد‬
    ‫السيد الصقلي الذي تعيش معه في البيت مثل ابنته‬             ‫بالملكوت الخفي‪ ،‬وأنا المولود مرتين»‪( .‬ص‪)165‬‬
 ‫بعد وفاة زوجها لا يؤمن بدين معين‪ .‬وإنما يعتقد في‬
   ‫صحة كل الأديان وجميع الآلهة‪ ،‬ما دام ذلك يرتقي‬         ‫حصل هذا مرة ثانية‪ ،‬وكان هيبا هو المع ّمد والمع ّمد في‬
     ‫بالإنسان‪« .‬همست وهي تضع رأسها على كتفي‪،‬‬              ‫الآن‪ ،‬اغتسل ليستعيد طهارة الجسد والروح وينزع‬
     ‫بأن سيدها يؤكد دو ًما‪ ،‬أن الله يظهر للإنسان في‬       ‫عن جسده بقايا لذائذه مع أوكتافيا ويزيل عنه أي ًضا‬
   ‫كل موضع وكل زمان‪ ،‬بشكل مختلف وأن تلك هي‬                  ‫تراجيديا العنف والموت‪ ،‬لكنه لم يستطع على ذلك‪.‬‬
‫طبيعة الإلوهية»‪( .‬ص‪ )93‬والموقف المولد للأسئلة هو‬             ‫مشاهد القتل واستباحة الجمال والعقل لن تنزاح‬
   ‫الأكثر حضو ًرا في ذاكرة هيبا‪ .‬أسئلة مباشرة حول‬        ‫بيسر عن ذاكرته‪ ،‬خرج من التراجيديا الدموية حام ًل‬
  ‫الله‪ .‬وكثرة الآلهة في الحياة والعالم «ماذا عن خطايا‬
 ‫أوكتافيا؟ هل سيعاقبها الرب عليها‪ ،‬أم يتجاهلها لأنها‬     ‫أسئلة جديدة أخطر من التي قال بها قب ًل حول الآلهة‬
   ‫وثنية لا تؤمن به؟ أتراه يعذب فقط المؤمنين‪ ..‬أظنه‬         ‫القديمة والديانة الجديدة التي عرفت فضول القتل‬
  ‫سيعفو في النهاية عن الجميع‪ ،‬لأنه رحيم»‪( .‬ص‪)97‬‬            ‫بسبب العقل وقناعاته‪ .‬هو المولود مرتين الآن تع ّمد‬

      ‫ومع تكرر الأسئلة وصعوبتها‪ ،‬كان هيبا يواجه‬          ‫مرتين‪ ،‬نزل للماء وغطس في رحم الأم الكبرى ثانية‪،‬‬
  ‫عزازيل بقوة وشجاعة‪ ،‬لكنه يضعف ويخسر حجته‬               ‫النزول للماء تخلص من المحمول الدنس وحيازة نقاء‪.‬‬
                                                         ‫استعادته الأم‪ /‬الرحم الأمومي وولدته ثانية‪ ،‬وسجل‬
     ‫في الحوار مع الشيطان الذي دائ ًما ما يكون وراء‬       ‫بذلك تاري ًخا جدي ًدا وحمل اسمه‪ ،‬ولأنه تع ّمد مرتين‪،‬‬
   ‫خدش ثباتات الإنسان ويفكك علاقته مع الله‪ .‬حتى‬          ‫حاز على اسمين‪ .‬الثاني جزء من اسم أستاذه الزمني‪،‬‬

       ‫هيبا لم يستطع مقاومته‪ ،‬يأتيه من خلال المرأة‬           ‫واختيار هذا الاسم كاف للتعبير عن عمق علاقته‬
‫أوكتافيا ومارتا‪ ،‬ويتبدى له أي ًضا عبر تراجيديات الدم‬         ‫الثقافية والروحية معها‪ ،‬واختزل كل هذا الموقف‬
‫والعنف وقسوة القتل‪ .‬وكان هيبا يصمت أمام عزازيل‬             ‫بالاسم وهو كاف للإعلان عن حالة القلق الروحي‬
                                                             ‫واستمرارها‪ ،‬واصطحاب الداخلي‪ ،‬وأكثر ما جعله‬
  ‫ولا يجد جوا ًبا ليعبر بذلك عن ضعفه وتآكل الإيمان‬         ‫هكذا هو الأسئلة المتوالدة يو ًما بعد آخر‪ ،‬هي مثيرة‬
‫في داخله‪ .‬تعلم هيبا من أوكتافيا وأحاديثهما عن الدين‬       ‫هذا الارتجاج والشك ويفترض به راهبًا أن يكون قد‬
 ‫والفكر والفلسفة‪ .‬كما تعلم أهم الدروس من أمه التي‬         ‫تجاوز كل هذا «سألت نفسي من دون انتظار إجابة‪:‬‬
                                                              ‫هل أتابع المسير إلى أورشليم‪ ،‬لألمس هناك أصل‬
    ‫وشت بوالده المتفاني بمعبوده الإله أخنوم‪ ،‬ولهذا‬       ‫الديانة‪ ،‬أم أتابع حتى أصل إلى شرق العالم ومبتدئه‪،‬‬
‫السبب واجه مث ًل بش ًعا‪ .‬تعلم هيبا أن الله في القلب ولا‬    ‫أم أغوص في نفسي فأعرف مشرقها وأدرك الإله؟‬
                                                          ‫أم أنتظر جوا ًبا ما‪ ،‬لأن كل الإجابات واحدة‪ ،‬الكثيرة‬
 ‫يمكن محاصرة الإيمان الكامن في جوانيات الإنسان‪.‬‬
‫الأديان حوار وتواصل مع بعضها ولا تنتهي‪ ،‬بل تمتد‬                            ‫المتعددة هي الأسئلة»‪( .‬ص‪)165‬‬
                                                          ‫اختصر هيبا أزمته الأنطولوجية وموقع الكائن القلق‬
    ‫في الآتي‪ ،‬فكم أخذت اليهودية من الديانة العراقية‬      ‫بالمقطع السردي حيث أوضح وبتأكيد بأن الغوص في‬
‫والسورية والكنعانية والمصرية‪ ،‬وأي ًضا كيف استفادت‬          ‫الداخل والتعرف على مشرقه فإنه سيصل إلى الإله‪،‬‬
                                                          ‫هو واحد في كل مكان وفي كل الديانات‪ ،‬لكن المتنوع‬
    ‫المسيحية من المصرية والبوذية‪ .‬وهذه الاستفادات‬
 ‫شكل في توظيف الطقوس والشعائر وتعميق العقائد‪.‬‬                ‫والمتعدد هو الأسئلة الحقيقية والخاصة بالوجود‬
                                                                                           ‫وحقيقة الإله‪.‬‬
    ‫«أدركت بعد طول تد ّبر أن الآلهة على اختلافها‪ ،‬لا‬
  ‫تكون في المعابد والهياكل والأبنية الهائلة وإنما تحيا‬     ‫عرفت الديانات الله وآمنت به الجماعات والشعوب‬
 ‫في قلوب الناس المؤمنين بها‪ .‬ومادام هؤلاء يعيشون‪،‬‬              ‫وقدمت له الطقوس والشعائر وبنوا له الأماكن‬
  ‫فآلهتهم تعيش فيهم‪ ،‬فإن اندثر أولئك أنطمر هؤلاء‪..‬‬
  ‫مثلما مات الإله أخنوم بعد موت أبي‪ .‬والبقية الباقية‬       ‫المقدسة تماشيًا مع مكانته لدى الجماعة‪ ،‬أو يجري‬
  ‫من الكهنة الذين كانوا محصورين في معبده الكبير»‬             ‫تغير الشعائر في المعبد السابق ليتحول إلى مكان‬

                                      ‫(ص‪)194‬‬              ‫مقدس لمعبود جديد‪ .‬لماذا هذا العنف والقسوة ما دام‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32