Page 29 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 29
27 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
تلك التجربة طالما أ َّن الكاتب يتحرى الجوانب الطبية والسؤال الذي يطرح نفسه عند التطرق لهذا الأدب
وي َّطلع على المشاكل النفسية والتعقيدات القانونية هو من المخ َّول له كتابة هذا الأدب؟ فهل تقتصر
المتعلقة بتلك التجربة منذ بداية تشخيصها وحتى الكتابة على أصحاب تجربة العبور الجنسي فقط
اكتمالها ،وهو ما يمكن أن نراه في رواية «حابي» كونهم الأقدر والأكثر دراية بحجم المعاناة التي
للكاتب الكويتي طالب الرفاعي ،الصادرة عن دار يتعرضون إليها؟ في مطلع القرن العشرين كانت
(ذات السلاسل) عام .2019 هناك محاولات لتجسيد حجم مشكلة اضطراب
مقدمة الهوية الجنسية على يد كتاب عاديين ،وإن اختلطت
في كثير من الأحيان بأدب المثلية ،ويذكر من ذلك
تمثل رواية «حابي» بذرة أولى وحقيقية في أدب أعمال مثل رواية «بئر الوحدة» للكاتبة «رادكليف
الـ»ترانس جندر» العربي ،وهي -على حد علمي- هال» أو أعمال تأخذ الموضوع إلى منحى فانتازي
مثل رواية «أورلاندو» ( )1928للكاتبة «فرجينيا
أول رواية عربية تتناول قضية العبور الجنسي وولف» ،التي تخيلت فيها رج ًل في الثلاثين من
بهذا التفصيل ،فتدور أحداث الرواية -المك ّونة من عمره يتحول إلى امرأة ويعيش ثلاثة قرون ،إلى
فصلين -حول «ر ّيان» ،الفتاة الكويتية ذات الخمس
عشرة سنة التي تعاني خلالها اضطراب الهوية جانب ذلك كان هناك الكثير من المحاولات لتجسيد
التجربة الحقيقية ،إلا أنها في الأغلب كانت مذكرات
الجنسية بسبب تشوه هرموني وخلقي .تظل
(ر ّيان) حبيسة جسدها الأنثوي حتى تقرر إجراء أو مقالات وتقارير طبية.
عملية التصحيح الجنسي وتتحول إلى فتًى ُيدعى ومن ث ّم ،يمكن اعتبار تسعينيات القرن العشرين
(ر ّيان) .ولكي يزيل الكاتب أي إيهام بالالتباس في هي التأريخ الحقيقي -في نظر البعض -لظهور
هذا النوع من الأدب وفرض نفسه بشكل ثابت؛
فهم تفاصيل تلك التجربة ،يبدأ الرواية بتصدير
يقدم الشكر لبعض المتخصصين في المجال الطبي ففي عام 1993ق ّدم الكاتب «ليزلي فينبرج»
-أحد المتحولين جنسيًّا -أول رواية ترصد
والنفسي والقانوني من أجل أن يدعم موثوقية هذه التجربة بصورة أكثر مصداقية بعيدة عن
العمل ،وللتأكيد على تحريه عدم الوقوع في فخ المرثيات والمبالغات أو الهجائيات التي كان يتعرض
إليها المتحولون سل ًفا على يد كتّاب عاديين لا
المرثيات كما أسلفنا الذكر.
يفهمون صعوبات تلك التجربة،
سياسات كسر التابو كونها الأشد تعقي ًدا على الإطلاق.
ولع ّل أهم الروايات التي ج ّسدت
يمكن نعت رواية «حابي»
برواية كسر التابوهات وهدم تلك التجربة هي رواية «الفتاة
الدنماركية» ( )2000للكاتب «دايفيد
الكثير من الثوابت التقليدية
الاجتماعية والثقافية ،ابتدا ًء إيبيرشوف» والتي تحولت إلى فيلم
من تناول موضوع التح ّول سينمائي يحمل الاسم
الجنسي المثير للجدل الذي ذاته وحصد جائزة
يح ّوله الكاتب من موضوع الأوسكار .ولكن ،تبقى
هذه محض وجهة
طبي علمي بحت إلى عمل نظر عندما أقدم ُكتَّاب
روائي ،مرو ًرا بالتقنيات عاديون على تقديم
الأسلوبية التي يعتمدها هذه التجربة .فليس
بالضرورة قصر
الكاتب في تشييد عالمه الكتابة على من عايش
التخييلي.
طالب الرفاعي