Page 33 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 33

‫‪31‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

   ‫(حابي) إله فيضان النيل‪ ،‬وهو ما يبدو متراد ًفا‬       ‫النصي عدد من الدلالات الملحقة التي تكشف عن‬
                                                      ‫واقع التش ّوه المجتمعي‪ .‬تذكر الأحداث أن التش ّوه‬
 ‫مع اسم الشخصية الرئيسة (ر ّيان)‪ .‬وتكمن أهمية‬         ‫الجيني الذي عانى منه (ر ّيان) يرجع في الأساس‬
  ‫الاسم أ ّن «حابي» على حد قول «جوى» ‪-‬صديقة‬            ‫إلى زواج الأقارب‪ .‬وهنا يقف القارئ على ملامح‬

      ‫(ر ّيان)‪ُ -‬يظهر جسده معالم الجنس الذكري‬           ‫العلاقة الزوجية المهترئة بين الأب والأم؛ فالأب‬
   ‫والأنثوي في نفس الوقت‪ ،‬ملامح الذكورة ممثلة‬             ‫الذي ي ّدعى الشرف والخوف من الفضيحة لا‬

   ‫في عضلات رجليه وذراعيه‪ ،‬والأنوثة في الصدر‬           ‫يتوانى عن خيانة زوجته وإلحاق الأذى النفسي‬
                                                         ‫بها‪ ،‬والزوجة في المقابل تتح َّدى وأحيا ًنا تتع ّمد‬
          ‫والبطن‪ ،‬وهي ترمز إلى الأرض الخصبة‪.‬‬
                                                    ‫الانتقام من زوجها بإتمام علاج ابنها دون موافقته‪.‬‬
  ‫لكن المثير للاهتمام أن عنوان الرواية المكون من‬       ‫بل إن الإبقاء على صورة «المسخ» لـ(ر ّيان) تقف‬
                                                      ‫معاد ًل واض ًحا على نفاق وإصرار وتعنت المجتمع‬
‫مقطعين صوتيين «حا» و»بي» قد شطرا ليكون كل‬
‫منهما عنوا ًنا منفص ًل لكل فصل من فصول الرواية‬       ‫إزاء عدم التخلي عن سلطته الزائفة‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬كانت‬
                                                       ‫لعبة التش ّوه إحدى المعطيات التي يو ّظفها الكاتب‬
   ‫الاثنين‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬يحمل كل جزء مشطور علامة‬
    ‫سيميائية مفادها التشظي وانعدام الوصول إلى‬        ‫لرمزية مقصودة‪ ،‬تتجاوز حدود الجسد إلى حدود‬
                                                          ‫الفضاء النسقي الأوسع الذي يقع فيه الجسد‬
 ‫الكمال النفسي والجسدي‪ .‬فالفصل الأول المعنون‬                                            ‫المش ّوه ذاته‪.‬‬
                                                          ‫وبذكر الفضاء النسقي‪ ،‬تتبدى إحدى الثيمات‬
    ‫«حا» يج ّسد مرحلة بداية عملية التصحيح ببتر‬
    ‫الثديين مع الإبقاء على بعض الأعضاء الأنثوية‪،‬‬        ‫وطيدة الصلة بأدب الـ»ترانس جندر»؛ ألا وهي‬
                                                         ‫الهجرة أو ما ُيعرف بالـ ‪.sexual migration‬‬
    ‫لذا ينتفي الشعور بالاكتمال‪ .‬أما الفصل الثاني‬       ‫ويقصد بها الدفع القسري بالعابرين جنسيًّا إلى‬
                                                         ‫تغيير الفضاء النسقي عبر الهجرة القسرية أو‬
     ‫«بي» فهي المرحلة التي تسبق العملية الأخيرة‬      ‫النفي والطرد من الوطن‪ ،‬ولا أد ُّل على هذا من قول‬
                                                    ‫(نورة)‪« :‬الكويت تمقت المتحولين‪ ،‬ونحن لن نتحمل‬
  ‫‪-‬عملية تخليق الأعضاء الذكرية‪ -‬لتنتهي الرواية‬           ‫فضيحة عيش ِك بيننا»‪ .‬وتأتي الحاجة لمثل هذا‬
                                                       ‫الفعل بسبب عدم توافق الجسد والهوية الجديدة‬
 ‫بتساؤل (ر ّيان) إن كان بإمكانه الزواج والإنجاب‪،‬‬      ‫مع النسق التقليدي الذي نشأ فيه صاحبه‪ ..‬وهنا‬
   ‫وهو أي ًضا ما ينفي اكتمال الفحولة والقدرة على‬          ‫ُيقصد المجتمعات العربية‪ .‬وأحيا ًنا يجد هؤلاء‬
                                                       ‫العابرون أن الهجرة هي الحل الأمثل ‪-‬حتى وإن‬
 ‫الإخصاب ويعضد حالة الضياع الشعورية؛ يقول‪:‬‬            ‫لم تكن قسرية‪ -‬من أجل البحث عن فرص أفضل‬

‫«أشعر كأن طع ًما ُم ًّرا بفمي‪ ،‬قدري أن أبقى حابي»‪.‬‬           ‫للحياة في مجتمع جديد بهويتهم الجديدة‪.‬‬
  ‫وأخي ًرا‪ ،‬فإن رواية «حابي» للكاتب الكويتي طالب‬
 ‫الرفاعي تع ّد بذرة جديدة تستحق الاحتفاء وعم ًل‬     ‫‪ -4‬العنوان المشطور والهوية المتشظية‪:‬‬
    ‫يتح ّرى المصداقية إلى حد كبير‪ .‬تؤثث الرواية‬
    ‫حالة البرزخية القدرية والهوية البينية لهؤلاء‬     ‫التش ّظي والتفكك سمة واضحة في رواية «حابي»‪،‬‬
                                                    ‫وهذا مقصود كما أسلفنا الذكر‪ ،‬لإيصال القارئ إلى‬
 ‫الأفراد على الرغم من عبورهم الجنسي إلا أن ما‬        ‫الحالة الشعورية القريبة من تجربة الاستلاب لدى‬

 ‫يحملونه في جعبتهم من ذكريات لن يتم محوها‪،‬‬            ‫العابرين جنسيًّا‪ُ .‬يمثل عنوان الرواية أهم العتبات‬
                                                        ‫المؤسطرة والمكاشفة للحالة الشعورية للعابرين‬
      ‫بل ستظل شب ًحا يلوح لأصحابها بين الفينة‬          ‫جنسيًّا؛ فتحمل الرواية اسم الإله المصري القديم‬
  ‫والأخرى‪ .‬ويبقى السؤال‪ ،‬هل سنرى مزي ًدا من‬
  ‫هذا النوع من الأدب؟ وهل سيتقبل المجتمع أد ًبا‬
‫يكتبه العابرون أنفسهم‪ ..‬أم لا يزال يحتاج الق ّراء‬

                   ‫إلى بعض الوقت لتقبل الأمر؟‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38