Page 36 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 36
العـدد 31 34
يوليو ٢٠٢1
العالمية ،وهو حانق على كل ما هو جميل ونبيل ُمصيَّر لا حول له في أدق تفاصيل حياته ،تحركه
يذكره بأمه الحسناء ،فلم يتردد في ارتكاب الجرائم قوى جبرية قاهرة لا فكاك منها ،فكل محاولة
للخلاص هي تمرد أحمق« :أين السخفاء الذين
كافة للانتقام من كل ما حوله ،وأصبح أداة لمن يزعمون أننا نملك مصائرنا ..إننا لعبة في كف
يدفع له ،حتى بات يحمل «على ظهره إحدى عشرة
خطيئة» ،بد ًءا من إطلاق سراح أرانب صديقه فتحي الحياة تلقينا متى تشاء من حقيبتها وتلهو بنا».
خفية من مصيدته الجبلية تفشيًا فيه ،مرو ًرا ببيع (ص)20
المخدرات وإقامة علاقات غير شرعية مع النساء ولعل مما ضاعف من هذا المنحى العبثي وفقدان
وخطف الأطفال والاتجار بهم لصالح أميرة الفايد المعنى لدى شخصيات الرواية حالة التخبط التي
أو لطلب فدية ،وتمثيل دور المريض الممتن للطبيب سادت المجتمع عقب التحرك التاريخي ضد نظام
الماهر لجذب زبائن لعيادة الطبيب ،وسرقة تبرعات
مبارك ،فتضافر الواقع السياسي مع الواقع
المسجد ،والإيقاع بين زوجات العجلاتي الذي الاجتماعي المأزوم ليعمق الإحساس بالعجز
آواه في القاهرة ،وحتى قتله للمتظاهرين وقتله واللاجدوى ،خاصة مع إصرار القوى المهيمنة
الطبيب ذاته بحادثة سيارة مدبرة ،ووصلت نزعته -سياسية أو دينية أو اجتماعية -على بقاء سطوتها
العبثية التمردية إلى أنه لم يكن يرى فر ًقا بين صيد وفرضها قه ًرا ،فغابت الرؤية وتداخلت المعالم،
صديقه فتحي للأرانب البرية وخطفه هو للأطفال فاجتمعت كل أنواع التمرد :الميتافيزيقي والأخلاقي
فـ»كليهما فريسة»( .ص )94وكان يبرر كل ذلك والتاريخي ،حتى أننا نرى «أسيل» و»مروة»
بأنه مجرد «ضحية لإرادة أقوى مني تدفعني إلى يسيران «خلف مظاهرة تطالب بإسقاط النظام،
مجهول لا أتحمله ..أساق إليه مرغ ًما ،ليس بإرادتنا وفي اليوم التالي تسيران في مظاهرة مؤيدة للنظام
نسير .هناك غاية لا نعلمها تتحكم في مصائرنا وتريان الثورة مؤامرة كونية لإحداث الفوضى»؟!
ولا فكاك من التحرك نحوها مرغمين أو طائعين..
(ص)7
سنبلغها شئنا أم أبينا»( .ص)39 إن جميع شخصيات الرواية هي شخصيات
وقد سعى الونايسي بعد كل ما ارتكبه من خطايا متمردة على ذاتها وواقعها تحيا في حالة من الخواء
والسخط ،تجد نفسها في مواجهة قاسية وحادة
للبحث عن معنى في التطهر الديني والسمو مع مسألة المعنى .فجابر الونايسي الريفي الفقير
الروحي ،بعد أن استنفد كل السبل الحسية الذي هربت أمه صفية الحسناء مع عشيقها وتركته
والعقلية ،فقد غرق حتى الإنهاك في المتع الحسية، طف ًل مع أبيه يفتش عنها ويجتر الحسرة والخزي
واحتار عقله في تفسير التضارب والتناقض في والعار ،ظل طوال حياته متمر ًدا ،يفتش عن أمه
الحياة ،فلجأ إلى الشيخ الصوفي في جبل الونايسة وسط كل النساء ،وكلما اقترب من امرأة ركن إليها
في سعي نحو العالم العلوي بد ًل من عالمه السفلي مفت ًشا فيها عن أمه الهاربة .لذا عندما اختفت أميرة
الذي يحيا فيه ،لكن في عصر تهيمن فيه المادة الفايد أخذ يبحث عنها كالمجنون« :رحلت وخلفت
وتختل القيم ،تفقد الإجابات الدينية ال َبدهية طفلها ،يجوب الشوارع بحثًا عنها ..كنت كطفل تائه
جاذبيتها ،لدرجة قد تبدو سخيفة .وتب ًعا لعدد فقد أمه» (ص ،)135وهو يقتل بوعي أو بلا وعي
من العوامل والتحولات الاجتماعية والسيرورات كل رجل يقترب من النساء اللاتي يعيش قريبًا
التاريخية ،يتعاظم التأ ُّزم تجاه مسائل الوجود، منهن خو ًفا من أن يختطفها منه وانتقا ًما من عشيق
مسائل المعنى والموت والمصير ،ويغيب الدين أمه في أشخاصهم .ورغم بحثه عن أمه يخشى
وتغيب معه إجاباته ،وبتراجع الإيمان ينحسر مواجهتها وج ًها لوجه ،إنه يبحث عنها ويهرب منها،
الأمل ،وفشل التطهر الروحي الصوفي كما فشلت ومن ثم كان غرامه بمؤخرات النساء .فالمرأة لديه
أسيل في الارتقاء الروحي به في سعيها العبثي مجرد مؤخرة ،فهو مغرم بتأمل مؤخرات النساء
لاسترداد حبيبها «بسيط» مستنس ًخا في جابر ،حيث وعقد المقارنات بينها خاصة مع نجمات السينما
«بدت كأنها تريد أن تقذف رو ًحا داخل جسدي».