Page 38 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 38
العـدد 31 36
يوليو ٢٠٢1
أفلست نتيجة الفراغ الأمني عقب الثورة ،وهاجر تسلك سلو ًكا متناق ًضا حتى اعتقدت أنها ربما
حبيبها شريف بهجت ابن صاحب شركة السياحة تكون مصابة بالفصام ،فهي تتظاهر ضد نظام
إلى كندا بعد أن أفلس أبوه وانتحر وتهاوت أحلام
مبارك وفي اليوم التالي تؤيده ،وتتمرد على
ابنه فغرق في الإدمان ،فهيمنت عليها الكآبة التقاليد في ملابسها وسلوكها وتسمح لبسيط،
والتشاؤم وهربت إلى الخمر والمخدرات ،تحيا في الهائم في تهويماته العاجز عن اجتياز مجاهيل
شقتها في فوضى عارمة شبه مغيبة ،بعد أن فقدت أنوثتها ،برسمها شبه عارية في شقتها واقتحام
حياتها كل غاية سامية .وهو نفس مصير سعاد خصوصيتها ،وفي نفس الوقت تطلب منه ورقة
تثبت زواجهما ،وتأوي جابر الونايسي في شقتها
الممرضة التي أحبت الدكتور رمزي الذي تعمل بعد هروبه من الشرطة وفي نفس الوقت تمارس
بعيادته ،وفي نفس الوقت غرقت في علاقات عديدة
ضده نزعة سادية مذلة ،وتسخر من متابعة
مع الرجال وتهالكت على شرب الخمر وتدخين صديقتها مروة عزيز للأفلام الإباحية ثم تغرق
السجائر وحاولت أن تجد لحياتها مغ ًزى في المتع هي في مشاهدتها .تؤيد الثورة وفي نفس الوقت
الجسدية فالجسد «هو كل شيء في هذا العالم ..ما تلقي عليها بكل مشاكلها وفشلها ،فهي التى عطلت
الحب إلا حب الجسد ،وما اللذة إلا لذة الجسد». مشاريعها ككاتبة ،وتستسلم لواقعها حتى رأت
أنه «ليس بإمكاننا في هذا العالم أن نكون أحرا ًرا».
وهي لعنة لم تفلت منها صفية التي تمردت على (ص )132لذا ليس غريبًا أن نجدها تعاقب نفسها
واقعها وهربت مع عشيقها ،ثم اختفى زوجها وتنشغل «بغسل الأطباق والفناجين ..هل تريد أن
سعد الونايسي نفسه ولجأ إلى عالم الغجر هر ًبا تعاقب نفسك مثلي؟»( .ص )16واعتزلت في شقتها
من الخزي والعار ،وحتى نساء قرية الونايسة كن بعي ًدا عن العالم المغترب وهرو ًبا من الإحساس
يحلمن بالتمرد على رتابة حياتهن ،ويحسدن في بالتكرار السقيم والروتين الممل والآلية المزمنة
قرارة أنفسهن جراءة صفية حين اختارت حريتها وحتمية مرور الزمن والشعور بأننا وجدنا بمحض
الصدفة وبلا سبب معقول« :ما الذي أوصلني
ورحلت( .ص)21 إلى تلك الحالة؟ نوم طوال النهار ،جسدي مرهق..
إن الإحساس بالعبث قد ينتاب المرء كما يذكر الحجرة تحولت إلى صندوق قمامة كبير .أسابيع
«ألبير كامي» مباغتة عندما يعي طبيعته المغتربة في مرت دون أن أنزل من الشقة ..أضحك زه ًقا ..أدفع
جوهرها الكامنة في الأشياء المألوفة العادية المعروفة الملل والكآبة بأي شيء»( .ص )43ووصلت قمة
لدى كل إنسان باسم الحجر والشجر والكرسي.. العبث بعد مقتل حبيبها «بسيط» ،فحاولت أن تحيل
إلخ ،ومن ذلك التكرار السقيم الرتيب لحياتنا( ،)5لا «جابر» إلى بسيط قادر على الرسم يحيا بروح
يفلت من ذلك الجاهل أو المثقف ،وهو ما نراه في فنان بل اقترحت عليه أن يهاجر معها إلى كندا،
الرواية لدى العجوز المتجول في ميدان الثورة يكرر فالمتناقضات صارت أكبر من تحملها ،وبدت في
سؤاله الأبدي العبثي لكل من يقابله بالميدان «ماذا حالة من التشظي النفسي ،تبدل مشاعرها كما تبدل
سنأكل على الفطار اليوم؟» في «فعل عبثي عدمي ملابسها ،وتعاني «كأنها لحظة نضج يصحبها
متكرر»( .ص )69كأنه سيزيف يحمل صخرته
وقدره الذي لا فكاك منه .بمثل ما نراه بسيط الفنان سقوط مروع للروح»( .ص)161
البوهيمي الباحث عن سبل الولوج إلى معارج الروح وتصب كل الشخصيات الأخرى في الرواية في
في لوحاته ،يهيم بالجمال ويراه «يكمن في السادية سبيل تأكيد تلك النزعة المتمردة ضد الحياة العبثية.
والجنس وربما في القبيح والمشمئز»( .ص)55 فمروة عزيز التي تتبنى أفكا ًرا تقدمية ،حتى أنها
ويظل بالساعات يخلط الألوان ثم يعجز عن تحويل تركت أسرتها بالإسكندرية وسكنت القاهرة بحثًا
تهويماته إلى عمل فني ملموس ،ففشل في الفن كما عن حريتها وحلمها ككاتبة ،اكتفت في النهاية
فشل في الحب ،وهرب إلى اعتصام المثقفين بالأوبرا باستغلال جمالها فعملت موظفة بشركة سياحة
ضد الوزير الإخواني وشارك في المظاهرات ،ليسقط
قتي ًل بلا تفسير على كوبرى قصر النيل ،لتبدو