Page 42 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 42

‫العـدد ‪31‬‬   ‫‪40‬‬

                                                  ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬

     ‫التي سلخها هذا الساعاتي في تواريخ وتقاويم‬    ‫تما ًما‪ -( :‬هل كان قريبك بحا ًرا؟ ‪ -‬نعم‪ :‬لم يبق من‬
   ‫غابرة في ملحمة الساعات العمرية والحكائية على‬   ‫مشاهير البحارة أحياء سوى ثلاثة أو أربعة‪ :‬قريبي‬

     ‫ظهر وداخل غرف سفن البحر‪ .‬من هنا تقودنا‬           ‫كان يدعى مغامس‪ - ،‬مغامس؟ لا أعرفه‪ /‬هكذا‬
       ‫البنية الحكائية إلى خطاطة دهليزية محفوفة‬     ‫البحارة! نسيت بحا ًرا يدعى مرزو ًقا؟ يسكن الفاو‬
                                                    ‫منذ أن وطأ اليابسة آخر مرة‪ .‬فتح دكا ًنا لتصليح‬
‫بعشرات أمكنة الساعات القديمة وأجسادها الفضية‬      ‫الساعات هناك بعد أن تعلم الصنعة من البرتغاليين‪.‬‬
  ‫المفتوحة نحو تقادم وانسلاخ الزمن‪ ،‬ومع دخول‬      ‫إنه وحده يستطيع تصليح ساعات قديمة كساعتك»‪.‬‬

 ‫الشخصية الساردة إلى منزل ذلك الساعاتي الكهل‪،‬‬                                            ‫(ص‪)56‬‬
‫تصادفنا هذه الوحدات من السرد‪« :‬كانت الساعات‬
‫جميعها تتشابه في حجمها وعتق خشب صناديقها‪،‬‬            ‫الساعاتي ورؤية الملحمة الزمنية‬

    ‫وفي شكل موانيها المستديرة وأرقامها اللاتينية‬  ‫إن ماهية الترتيب الخطي في وظيفة مسار الأحداث‪،‬‬
 ‫وعقاربها الدقيقة السهمية‪ ،‬سوى أن هذه العقارب‬         ‫قد لا يعفيها من تمويه بعض الأسرار اللازمنية‬

               ‫تشير إلى أوقات مختلفة»‪( .‬ص‪)59‬‬      ‫داخل مستوى إشكالية زمن الشخصية (الساعاتي)‬
                                                        ‫إزاء منظور تفاوت وانفلات وخروج وتقاطع‬
 ‫‪ -1‬اختلاف العلاقة الزمنية وانعكاس‬
        ‫الاستبصار الذاكراتي‪:‬‬                          ‫وفواصل الخيط الزمني الحقيقي لديه افترا ًضا‪.‬‬
                                                      ‫إن فكرة التركيز على حاضر وصول الشخصية‬
     ‫ما الذي يعنيه محمد خضير من مؤشرات هذه‬             ‫الساردة إلى مكان إقامة الرجل الساعاتي‪ ،‬ذلك‬
‫الوحدات (كانت الساعات تتشابه في حجمها‪ /‬وعتق‬
                                                         ‫الرجل العجوز الغاطس في موانيء طقطقات‬
    ‫خشب صناديقها‪ /‬سوى أن العقارب تشير إلى‬             ‫وتكتكات عقارب ساعاته‪ ،‬راح يشكل بذاته ذلك‬
   ‫أوقات مختلفة؟) ما يعنى هنا افترا ًضا‪ ،‬بأن زمن‬     ‫الظهور الممتد نحو عمق ماكينة الزمن الذاكراتي‪.‬‬
‫مصدر الساعات عائد إلى مرحلة واحدة أو أكثر من‬
‫عدة رحلات‪ ،‬ما يجعلنا نخمن تواقيت أزمنة ساعات‬             ‫وتتداخل زمانية تطبيقات أنظمة الساعات في‬
                                                   ‫استجلاء ذلك المكون الحكائي من وسط حضوراته‬
      ‫تلك الصناديق العتيقة‪ ،‬والتي تحمل حسابات‬     ‫المعلقة بمادة التذكر وتحقق شواهد الأعوام الخاطفة‬
  ‫ووجهات البلدان التي جلبت منها‪ ،‬فيما ظل الزمن‬      ‫من سيرورة تقاويم عقارب ذاكرة الرجل العجوز‬
‫الحاضر على تلك التكتكات والأصوات المتحركة منها‬     ‫الساعاتي‪« :‬قادني الصبي إلى الساعاتي ووضعني‬
  ‫بمثابة الزمن المجهول في فعله المضارع‪ ،‬كرحلات‬
   ‫ذلك البحار المجهولة في النص‪« :‬كان لا بد من أن‬       ‫أمام بيته وانصرف‪ .‬فجوة لبلاطة منزوعة من‬
 ‫أتبع استدارة الرواق الخفيفة لأفاجأ بآخر البحارة‬     ‫مكانها في إفريز الباب العلوي تجعل هذا المحل لا‬
                                                    ‫ينسى يو ًما ما من الأعوام الاستوائية‪ ،‬توقف قبلي‬
    ‫العظام في قبوه»‪( .‬ص‪ )59‬وفي سياق مؤشرات‬            ‫بحار مزعزع بدوار البحر‪ ،‬أو جندي من السيخ‬
 ‫مكانية الـ(استدارة الرواق) تكمن حقيقة حسابات‬       ‫تكبله الشهوات‪ ،‬ونظر إلى البلاطة التي حفر عليها‬
                                                    ‫تاريخ أو عبارة‪ ،‬قبل أن يواصل رحلته المجهولة»‪.‬‬
   ‫الزمن النصي‪ ،‬فهذه الاستدارة هي مدار العلاقة‬        ‫(ص‪ )58‬القابلية الرمزية في لغة القص‪ ،‬تضعنا‬
       ‫الرابطة بين الزمنين (زمن الشخصية‪ -‬أداة‬
                                                       ‫أمام خصيصة دلالية مصدرها تعاقب محاور‬
  ‫الحضور‪ /‬زمن الساعاتي العجوز‪ -‬فضاء الزمن‬             ‫الشخوص الزمنية في خطوات وتخطيات حدود‬
    ‫المعطل في فعل الحاضر‪ ،‬وقد نجد تقاب ًل ما بين‬  ‫العتبة التناظرية الواقعة ما بين صياغة الحكاية التي‬
   ‫زمانين وفضائين‪ ،‬بين ماضي الساعاتي العجوز‬          ‫علقت على شاهدة عتبة منزل العجوز الساعاتي‪،‬‬
                                                   ‫وقد تكون هذه الأعوام الاستوائية بمثابة البوصلة‬
  ‫وساعاته‪ ،‬وبين الشخصية الساردة وزمن ساعته‬        ‫البانورامية في شريط تعدد المراحل الزمنية والعقود‬
 ‫المعطلة‪« :‬تعلو رأس ساعاتي‪ ،‬كانت على وجه الدقة‬
‫ماكينة ضخمة دقائق مصنوعة من النحاس الأصفر‬
 ‫رفع ميناؤها وجردت من صندوقها فتجلى الزمان‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47