Page 50 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 50

‫العـدد ‪31‬‬                                            ‫‪48‬‬

                                                                        ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬

‫التجريب في القصة القصيرة‪.‬‬                                                                                                    ‫ص‪.15‬‬
                                                                                  ‫ِفي ْن ُدو ْك اللي َكالوا ا ْح َنا ْه َنا َيا َللاَّ‪..‬‬
‫المسار الأول‪ :‬تقنية المفارقة المغلفة بالسخرية‪:‬‬                                       ‫ُعو ْد ال َح ْم َل ْة َما ْيدي ْر ال َفا ْخ َر أ َللاَّ‪..‬‬

‫“ما أكبر الحلم! و ما أمر الواقع!!”‪ ،‬لعل العبار َة هاته‬                  ‫وتضي ُف الساردة متحدث ًة عن نفسها‪“ :‬ربما هو‬

‫تشكل مفتاح وملتقى تقنية المفارقة؛ التي تنبني عليها‬

‫نصوص المجموعة‪.‬‬                                                                      ‫دوري في ولوج الدائرة!”‪.‬‬
  ‫اتكا ًء على هذا النوع من التقنيا ِت السردي ِة الجمالي ِة‬
‫ب َط ْعم السخرية‪ ،‬أصبح “الجهلا ُء سعدا َء بجهلهم”(‪)5‬؛‬                   ‫لأن النّ ْظ َم الشعبي مو ّجه بالضرورة لبطلة نص “ ُعو ْد‬
 ‫لأن الجهل أحيا ًنا أكث ُر نف ًعا من العلم”(‪ ،)6‬فالساردة‬                ‫المفضي إلى‬  ‫ففيه تعبير عن نو ٍع من التشييء‬           ‫ال َح ْمل ْة”‪،‬‬
‫هنا تعي مرمى ما تذهب إليه‪ .‬وما تقصده تقاب ًل مع‬                         ‫‪-‬بعد الذي‬   ‫من إنساني ِة السارد ِة البطلة؛ التي‬      ‫التنقيص‬
                                                                        ‫حصل‪“ -‬تبتسم للجارة مودع ًة‪ ..‬تنفلت كالسهم من‬
 ‫ذلك أن العل َم غالبًا ما يجل ُب على حامله التعاس َة‪ ،‬في‬
‫قلب واضح للقولة المأثورة “العلم نور والجهل عار”‬                                     ‫الفناء”(‪( )2‬الفناء = الورطة)‪.‬‬

‫= “العلم سعادة والجهل تعاسة”‪ ،‬علما أن سعادة‬                              ‫العنوا ُن كذلك به إضافة‪ ،‬تذه ُب إلى ح ِّد إزالة ما قد‬
                                                                        ‫ليأع ّتنر ِميَنااللكعليمدةا انلأ(ولجىمعمنلهكلممةن‪:‬انعحوردا)‪ٍ ،‬فمافييالش َقي ْصباِدل‪،‬قوة‬
‫الجهلاء قد تظهر في علاقاتهم وتصرفاتهم وحيواتهم‪،‬‬                         ‫والصلابة؛ فـ”الأ ِخيَّ ُة” مث ًل‪ :‬عود ُيع َر ُض في الحائط‬
   ‫والح ّق أن تفتي َت كل ذلك وتشري َحه يجعل العكس‬                        ‫ُتش ُّد إليه الداب ُة‪ ..‬معناه‪ ،‬لو أتى العنوان على صيغة‬
‫يطفو على الواقع‪ ،‬فهم سعدا ُء فقط لأنهم جهلا ُء‪ ،‬ومتى‬
                                                                                      ‫“ ُعو ْد الأ ِخيَّة” لكان القص ُد مختل ًفا‪.‬‬
 ‫تعني السعادة الفرح والصحة والهناء وراحة البال؟!‬                         ‫“ ُعو ْد ال َح ْمل ْة” بني ًة‪ ،‬يشكل ُمشتر ًكا لغو ًّيا لعناوين‬

‫وماذا عن المعذب ‪-‬كما ورد في فلسفة نتشه‪ -‬الذي‬                                ‫المجموعة‪ ،‬يشفع لصاحبته باختياره ضمن تلك‬

‫أطلق صرخة الاستغاثة‪ ،‬وقد كان يشعر بالسعادة‪.‬‬
‫إنها تقني ُة المفارقة المكس ّوة بالسخرية من عال ٍم انقلبت‬
 ‫وبات الجاه ُل ف ِر ًحا بجهله‪ ،‬والعا ِ ُل‬  ‫تفيِعه ًساالمفباعلهيم ُمه‪،،‬‬  ‫النصوص‪ِ ،‬لا له من تقاطعات بنيوي ٍة ودلالي ٍة معها‪،‬‬
‫من عا َ ٍل ضاع ْت معه الحقيق ُة وع ّمته‬                                 ‫تتو َّضح أكثر أثناء السر ِد وقريبًا من الحكي‪.‬‬

‫المجاملا ُت‪ ،‬وتداخل ْت فيه المسميا ُت‪ ،‬حتى باتت بلا‬                     ‫مسارا ُت السر ِد وانكسارا ُت الذا ِت‬
‫َط ْع ٍم‪ ،‬فـ”ما بين مارس وشتنبر ‪-‬تقول الساردة‬
‫وهي تحكي عن بطلة قصة “وجهان”‪ -‬كسر ِت المرآ َة‬                           ‫تو ّق ُفنا عند عنوان المجموعة‪ ،‬واعتبار ما ذهبنا إليه‬
                                                                        ‫تأوي ًل له؛ فلأن العناوي َن عمو ًما هي رؤوس الأجساد‪،‬‬
‫التي أتعب ْتها مثلما أتعبها السؤا ُل‪ :‬أين تكمن الحقيق ُة؟‬                   ‫“وفي الرأس تختبئ أسرار الجسد‪ ،‬بل هو الموجه‬
‫وأ ّي الشه َرين كان صري ًحا لا جار ًحا ولا مجام ًل”(‪،)7‬‬
 ‫ومتى كانت فع ًل‪“ :‬ساحرة‪ ،‬أجمل من الجمال”(‪ )8‬في‬                         ‫والمتحكم في تداول النصوص ثم تأويلها”(‪ ،)3‬وأحيا ًنا‬

‫أواسط شهر مارس أم في أواخر شهر شتنبر‪.‬‬                                               ‫ضياعها وموتها‪.‬‬

‫إنها الحقيق ُة الضائع ُة المُ ْن َبنِيّ ُة على تيمة التقاب ِل‪ ،‬وإنها‬     ‫للسرد في مجموعة “ ُعو ْد ال َح ْمل ْة” مسارا ٌت متعدد ٌة‪،‬‬
    ‫المفارق ُة الصارخ ُة التي تعتري جس َد الواقع المر‬                       ‫ولموضوع انكسا ِر الذا ِت حضو ٌر يتناغم وطبيع َة‬
                    ‫المخاتل‪ ،‬وإن يظ ُّل الحل ُم أكبر‪.‬‬
‫إن تقنية المفارقة عند الكاتبة عائشة بورجيلة تتمظهر‬                      ‫الحكي داخل نصوص المجموعة‪ .‬تقنيتان هما (السرد‬
                                                                        ‫والذات)‪ُ ،‬تجسدان عنوا َن تجرب ِة عائشة بورجيلة‬
‫عبر تلوينا ٍت سردي ٍة‪ ،‬في َتماس مع ظاهرة السخرية‪،‬‬                          ‫عندها‬    ‫“ ُعو ْد ال َح ْمل ْة”؛ لأن الكتابة‬  ‫في‬  ‫القصصية‬
‫وفي أشكال ممتدة على مساح ِة نصوص المجموعة‬                               ‫لاكتشا ِف‬   ‫نف َسها وسف ٌر نحو الأعماق‬           ‫به‬  ‫“نو ٌر ترى‬
                                                                        ‫ومناوش ِة الجمي ِل والأجم ِل بداخلنا وإعلانه للذات‬
                                           ‫كلها‪.‬‬                         ‫أو ًل وللعالم ثانيًا”(‪ .)4‬مساران هما (السرد والذات)‪،‬‬
                                                                              ‫متزوجان ببعضهما البعض في مجموعة “ ُعو ْد‬
‫“هذا الزمان ليس ذاك الزمان”‪ ،‬بنوع المفارقة‬
‫السوسيوثقافية‪ ،‬ترص ُد الكاتب ُة‪ -‬السارد ُة التحولات‬                       ‫ال َح ْمل ْة”‪ ،‬الذا ُت في انكساراتها وجراحاتها المتعددة‪،‬‬
‫السلوكية في ذوات أبطالها‪ ،‬فـ”حين طلب منها وال ُدها‬                      ‫والسر ُد‪ ،‬استجاب ًة لذلك‪ ،‬في مساراته الدالة عن ظاهرة‬
‫أن تستع ّد ليحملها لم تصدق أذ َنيها‪ ..‬حلق ْت بعي ًدا‪،‬‬
   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55