Page 48 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 48
العـدد 31 46
يوليو ٢٠٢1
كنا في ضوء المواجهة الحادة بين رؤية الكاتب السردية يفعل ما بدا له.
والحدث الروائي نلاحظ اعتماده على وعيه اللغوي المعرفي ولأن تجربة الفعل الإنساني هى في جوهرها تجربة زمنية
ليعبر عن الهامش والمسكوت عنه في طابع ُمضمر وفق نفسية تسعى لتكثيف قوى الإنسان ومقاومة رغباته في
مساحات زمنية مختزلة تكشف السياق الصادم لتفاصيل الخلود؛ فالكاتب لم يهرب من الزمن؛ بل قفز لإنجازه
الواقع الاجتماعي ،والإيحاء بالانهزام الفحولي ،والذكورة
سعيًا لامتلاك ناصية الفوضى وفصل الذات عن الحدث،
المحرومة من صفة القيادة؛ فذات البطل مصنوعة من من أجل الفوز بديمومة الحضور /الغياب ،حتى وإن كان
الأحداث المجتمعية؛ لذلك كان عليها أن تستغني عن العناية مصطلح فوضى يفهم اليوم كوصف للاتوقعية والحيرة
التي تميز المجتمعات المعقدة ،والتي أضحى الإنسان أقل
لتبرير الاختفاء ،فالتخفي يتم لكل ما لا تستطيع العناية تحك ًما في تطورها ومساراتها ،إلا أن الفوضى في الرواية
الحرص عليه ،كما أن اللانظام ُيعد قوة لجعل الإنسان تمثل المظهر الجديد للتعبير التلقائي عن الحياة المأزومة؛
أمثل معتم ًدا على استلابه؛ بنا ًء عليه؛ فغياب البطل يمثل
فإذا كان الكاتب يؤمن بانبثاق الكل عن الجزء بشكل
مو ًتا رمز ًّيا. جدلي يبرز آليات الصراع وما يقابلها من طرح التأملات
ولأن إدراك الواقعي لا يتم إلا من خلال وسيط
رمزي؛ اعتمدت الرواية على تفتيت العلاقات الإنسانية والتساؤلات التي تعد مدخ ًل حقيقيًّا للعدم؛ نرى أن
واستبدال لحظات الحياة بلحظات الموت ،ولأنه عادة الصدفوية هى التي مكنته من ضبط الانفعالات الأكثر
ما تتباين طرائق استثمار وتوظيف الوقت في سياق عن ًفا؛ لذلك اعتمد التعقيد من أجل الوصول إلى التبسيط،
عمليات التواصل بما يسمى التوجهات الزمنية Time ربما هدف من ذلك إلى الانعتاق من قاعدة التناسب بين
Orientationفي تمثيلها لإدراك الإنسان للوقت ،لاحظنا الأسباب والنتائج متب ًعا اللاخطية في التفكير ،مؤك ًدا على
معاناة الشخصيات المعتمدة على التوجه الزمني الماضوي سيادة اللانظام ،وكأن عجز الإنسان الحقيقي يتمثل في
The past orientation timeمن صعوبات فيما يتعلق البقاء دون بديل ،وكأنه لا يمكن التحرر من سطوة الذات
بالتعامل مع الوقت المنتهي ،وكانوا غالبًا ما يخلطون إلا من داخلها؛ فتصبح الحركة الدائرية للفوضى منتظمة
بصورة غير واعية بين أحداث وخبرات الحاضر وخبرات ضمن لعبة لا نهائية من التمركز /التمدد؛ فتبدأ الرواية
ماضيهم الشخصي ،في حين عانت شخصية البطل من بمرحلة ذاتية البطل وتأثراتها ثم مرحلة عرض العلاقات
توجه الحاضر القدري Present_Fatalisticالذي يسعى بين الشخصيات بشكل جدلي ،انتها ًء بالقوة المثلى الذاتية
للاندماج التام في الحاضر دون استمتاع ،لذلك كان يشعر
بأنه سجين وعاجز عن إحداث أي تغيير وأدى هذا إلى للبطل الغائب /الحاضر ،وكأن الفضاء الروائي يبدأ
سيادة مشاعر البؤس واللادافعية التي يسرت وصوله ميلاده من الذات وتمركزها وينتهي إليها بحمولة فكرية
إلى حالة العجز المدرك Perceived in Competence قائمة على تحييد قوة المبدأ ظاهر ًّيا واستثمارة في إرادة
وأثارت لديه مشاعر الفتور واللامبالاة ،فكنا أمام إنسان
يعي قيودة ،ويعي أن شخصيته قد تم تنميطها ،ولأن القوة التي تم تحديدها من خلال التفاعل بين المتلقي
هذة القيود لم تسمح بإبراز الذات ،وتوظيف قدراتها؛ فقد وبقية الشخصيات.
جذبت إليه عقلانية عزلته ثم جعلته قل ًقا وعاج ًزا.
رواية «اختفاء السيد لا أحد» ُكتبت وكأنها بلا تحديد
ُمسبق ،مختزل ًة الحضور البشري اعتما ًدا على دراما
المونولوج الذهني؛ لفقدان الكثرة فاعليتها في الحياة ،وإن
الهوامش:
-1رياض العبيد (« ،)1997السيرة الشعرية للحاكمية العربية في كتابات أدونيس» ،مجلة فصول ،الهيئة المصرية العامة
للكتاب ،مج ،16ع ،12مصر.
2- Jean_Claude Clavet:Le Concept de Liberte Chez Herbert Marcuse, Philosophiques, Vol.13,
Numero2, Automne.
-3إريك فروم (« ،)1972الخوف من الحرية» ،ترجمة :مجاهد عبد المنعم مجاهد ،ط ،1المؤسسة العربية للدراسات
والنشر ،بيروت.
-4خليل الموسى (« ،)2003بنية القصيدة العربية المعاصرة» ،اتحاد الكتاب العرب ،دمشق ،ص.278